هكذا قيل في
الكشّاف وغيره ، ولا يخفى أنّ الأمر بالإفاضة من عرفات بثمّ بعد ذكرها أوّلا ،
ممّا لا يناسب ، فانّ المعطوف ليس بحرام بل ما يفعلون فليس التفاوت بين المعطوف
والمعطوف عليه بل بين فعلهم وما أمروا به ، وليس ذلك مفاد ثمّ ، وإنّه ليس مثل
أحسن إلى الناس ثمّ لا تحسن إلى غير كريم ، وهو ظاهر. وقيل أي ثمّ أفيضوا من
المزدلفة إلى منى ويكون الأمر لكلّ الناس ، ويكون المراد بالنّاس آدم وإبراهيم
وإسماعيل وغيرهم من الأنبياء السابقة ، والأمم المتقدّمة يعني أنّ وقوف المشعر
والإفاضة منه إلى منى شرع قديم لا تغيّروه ، وهذا هو المناسب لمعنى «ثمّ» وسوق
الآية ، حيث قال : فإذا أفضتم من عرفات إلى المشعر فكونوا بالمشعر ثمّ أفيضوا منه
إلى منى ، ففهم الوقوفان ونزول منى ، ونقله في مجمع البيان عن أبي عبد الله عليهالسلام[١].
(وَاسْتَغْفِرُوا
اللهَ) واطلبوا المغفرة وستر الذنوب الّتي فعلتم من تغيير
الشرع وفعل المحرّمات ، وترك الواجبات ، بالنّدم على ما سلف ، والعزم على العدم من
بعد إنّ الله كثير المغفرة والرحمة ، ويغفر ذنب المستغفر ، وينعم عليه ، ويدلّ على
الأوّل صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليهالسلام قال إذا غربت الشمس في عرفة فأفض مع الناس ، وعليك
السكينة والوقار وأفض بالاستغفار فانّ الله تعالى يقول (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ
النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ)[٢] والظاهر أنّ الاستغفار يكون بالمشعر أو في طريقه على
الأوّل ويحتمل في عرفة كما يشعر به الرواية المتقدّمة وعلى الثاني بمنى وطريقها
وكونه بالمشعر حينئذ بعيد ، وهو ظاهر إلّا أنّ الظاهر
[١] هكذا ذكره
المقداد في كنز العرفان ، آخذا من كلام صاحب المجمع من دون أن ينسب ذلك إليه ، لكن
ما ذكره في المجمع لا يناسب ما نقلاه عنه ، فإنه نسب القول الثاني إلى الجبائي ،
ثم قال في المراد بالناس ، وقيل : إن الناس إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ومن بعدهم من
الأنبياء عن أبي عبد الله عليهالسلام
راجع مجمع البيان ج ٢ ص ٢٩٦ مع أنا تفحصنا ولم نجد حديثا يذكر فيه أبا عبد الله أو
غيره عليهمالسلام
صرح بأن المراد من الآية إفاضة المشعر وإن كان هو الحق الظاهر من الآية الشريفة.