فَرَأَيْتُ عَلِيّاً كَاللَّيْثِ يَتَّقِي الذَّرَّ [الدُّرَّ] وَ إِذْ قَدْ حَمَلَ كَفّاً مِنْ حَصًى فَرَمَى بِهِ فِي وُجُوهِنَا ثُمَّ قَالَ شَاهَتِ الْوُجُوهُ وَ قُطَّتْ[1] وَ بُطَّتْ وَ لُطَّتْ، إِلَى أَيْنَ تَفِرُّونَ، إِلَى النَّارِ، فَلَمْ نَرْجِعْ، ثُمَّ كَرَّ عَلَيْنَا الثَّانِيَةَ وَ بِيَدِهِ صَفِيحَةٌ يَقْطُرُ مِنْهَا الْمَوْتُ، فَقَالَ بَايَعْتُمْ ثُمَّ نَكَثْتُمْ، فَوَ اللَّهِ لَأَنْتُمْ أَوْلَى بِالْقَتْلِ مِمَّنْ قُتِلَ، فَنَظَرْتُ إِلَى عَيْنَيْهِ كَأَنَّهُمَا سَلِيطَانِ[2] يَتَوَقَّدَانِ نَاراً، أَوْ كَالْقَدَحَيْنِ الْمَمْلُوَّيْنِ دَماً، فَمَا ظَنَنْتُ إِلَّا وَ يَأْتِي عَلَيْنَا كُلِّنَا، فَبَادَرْتُ أَنَا إِلَيْهِ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِي- فَقُلْتُ يَا أَبَا الْحَسَنِ اللَّهَ اللَّهَ، فَإِنَّ الْعَرَبَ تَكِرُّ وَ تَفِرُّ وَ إِنَّ الْكَرَّةَ تَنْفِي الْفَرَّةَ، فَكَأَنَّهُ ع اسْتَحْيَا فَوَلَّى بِوَجْهِهِ عَنِّي، فَمَا زِلْتُ أُسَكِّنُ رَوْعَةَ فُؤَادِي، فَوَ اللَّهِ مَا خَرَجَ ذَلِكَ الرُّعْبُ مِنْ قَلْبِي حَتَّى السَّاعَةِ».
وَ لَمْ يَبْقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص إِلَّا أَبُو دُجَانَةَ الْأَنْصَارِيُّ، وَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع، فَكُلَّمَا حَمَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص اسْتَقْبَلَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَيَدْفَعُهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَ يَقْتُلُهُمْ حَتَّى انْقَطَعَ سَيْفُهُ
، وَ بَقِيَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص نَسِيبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ الْمَازِنِيَّةُ، وَ كَانَتْ تَخْرُجُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص فِي غَزَوَاتِهِ تُدَاوِي الْجَرْحَى، وَ كَانَ ابْنُهَا مَعَهَا فَأَرَادَ أَنْ يَنْهَزِمَ وَ يَتَرَاجَعَ، فَحَمَلَتْ عَلَيْهِ فَقَالَتْ يَا بُنَيَّ- إِلَى أَيْنَ تَفِرُّ عَنِ اللَّهِ وَ عَنْ رَسُولِهِ فَرَدَّتْهُ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَتَلَهُ، فَأَخَذَتْ سَيْفَ ابْنِهَا فَحَمَلَتْ عَلَى الرَّجُلِ- فَضَرَبَتْهُ عَلَى فَخِذِهِ فَقَتَلَتْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص بَارَكَ اللَّهُ عَلَيْكِ يَا نَسِيبَةُ- وَ كَانَتْ تَقِي رَسُولَ اللَّهِ ص بِصَدْرِهَا وَ ثَدْيَيْهَا وَ يَدَيْهَا- حَتَّى أَصَابَتْهَا جِرَاحَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَ حَمَلَ ابْنُ قميتة [قَمِيئَةَ] [قمية] عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص- فَقَالَ أَرُونِي مُحَمَّداً لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا مُحَمَّدٌ، فَضَرَبَهُ عَلَى حَبْلِ
[1]. كُلُّهَا مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ أَيْ قُطِعَتْ وَ شُقَّتْ وَ ضُرِبَتْ.
[2]. السَّلِيطُ كَلَقِيطٍ الزَّيْتُ، وَ مِنْهُ خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَأَيْتُ عَلِيّاً وَ كَأَنَّ عَيْنَيْهِ سِرَاجَا سَلِيطٍ( مجمع) ج- ز