من العقلاء عارفاً به فانه يسبحه لفظاً و معني، و ما ليس بعاقل من سائر الحيوان و الجمادات فتسبيحها ما فيها من الآية الدالة علي وحدانيته و علي الصفات الّتي باين بها جميع خلقه، و ما فيها من الحجج علي أنه لا يشبه خلقه و أن خلقه لا يشبهه، ذلک بالتسبيح. و إنما كرر ذكر التسبيح في غير موضع من القرآن لانعقاده لمعان مختلفة لا ينوب بعضها مناب بعض، فمن ذلک قوله «وَ إِن مِن شَيءٍ إِلّا يُسَبِّحُ بِحَمدِهِ»[1] فهذا تسبيح بحمد اللّه و أما «سَبَّحَ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ الأَرضِ» فهو تسبيح باللّه «العَزِيزُ الحَكِيمُ» فكل موضع ذكر فيه فلعقده بمعني لا ينوب عنه غيره منابه، و إن کان مخرج الكلام علي الإطلاق و «العَزِيزُ الحَكِيمُ» معناه المنيع بأنه قادر لا يعجزه شيء العليم بوجوه الصواب في التدبير، و لا تطلق صفة «العزيز الحكيم» إلا فيه تعالي، لأنه علي هذا المعني.
و قوله «لَهُ مُلكُ السَّماواتِ وَ الأَرضِ» اخبار بأن له التصرف في جميع ما في السموات و الإرض و ليس لاحد منعه منه و لا أن احداً ملكه ذلک و ذاك هو الملك الأعظم، لان کل ما عداه فما يملكه، فان اللّه هو ألذي ملكه إياه، و له منعه منه.
و قوله «يُحيِي وَ يُمِيتُ» معناه يحيي الموات، لأنه يجعل النطفة و هي جماد حيواناً و يحييها بعد موتها يوم القيامة، و يميت الأحياء إذا بلغوا آجالهم الّتي قدرها لهم «وَ هُوَ عَلي كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ» أي کل ما يصح ان يکون مقدوراً له، فهو قادر عليه.
و قوله «هُوَ الأَوَّلُ وَ الآخِرُ» قيل في معناه قولان:
أحدهما- قال البلخي إنه كقول القائل: فلان أول هذا الأمر و آخره و ظاهره و باطنه أي عليه يدور الأمر و به يتم.
الثاني- قال قوم: هو أول الموجودات لأنه قديم سابق لجميع الموجودات و ما