مُترَفُوها) و ‌هم‌ ‌الّذين‌ آثروا الترفة ‌علي‌ طلب‌ الحجة، و ‌هم‌ المتنعمون‌ الرؤساء (إِنّا وَجَدنا آباءَنا عَلي‌ أُمَّةٍ) يعني‌ ‌علي‌ ملة (وَ إِنّا عَلي‌ آثارِهِم‌ مُقتَدُون‌َ) نقتدي‌ بهم‌ فأحال‌ الجميع‌ ‌علي‌ التقليد للاباء فحسب‌، دون‌ الحجة، و التقليد قبيح‌ بموجب‌ العقل‌ لأنه‌ ‌لو‌ ‌کان‌ جائزاً للزم‌ ‌فيه‌ ‌أن‌ ‌يکون‌ الحق‌ ‌في‌ الشي‌ء و نقيضه‌، فيكون‌ عابد الوثن‌ يقلد أسلافه‌، و كذلك‌ يقلد اسلافه‌ اليهودي‌ و النصراني‌ و المجوسي‌، و ‌کل‌ فريق‌ يعتقد ‌أن‌ الآخر ‌علي‌ خطأ و ضلال‌. و ‌هذا‌ باطل‌ بلا خلاف‌، فإذاً ‌لا‌ بد ‌من‌ الرجوع‌ ‌إلي‌ حجة عقل‌ ‌او‌ كتاب‌ منزل‌ ‌من‌ قبل‌ اللّه‌، ‌فقال‌ اللّه‌ ‌تعالي‌ للنذير (قل‌) ‌لهم‌ (أَ وَ لَو جِئتُكُم‌ بِأَهدي‌ مِمّا وَجَدتُم‌ عَلَيه‌ِ آباءَكُم‌) فهل‌ تقبلونه‌! و ‌في‌ ‌ذلک‌ حسن‌ التلطف‌ ‌في‌ الاستدعاء ‌إلي‌ الحق‌، و ‌هو‌ انه‌ ‌لو‌ ‌کان‌ ‌ما تدعونه‌ حقاً و هدي‌ ‌علي‌ ‌ما تدعونه‌، لكان‌ ‌ما جئتكم‌ ‌به‌ ‌من‌ الحق‌ اهدي‌ ‌من‌ ‌ذلک‌ و أوجب‌ ‌ان‌ يتبع‌ و يرجع‌ اليه‌، لأن‌ ‌ذلک‌، ‌إذا‌ سلموا ‌أنه‌ اهدي‌ مما ‌هم‌ ‌عليه‌ بطل‌ الرد و التكذيب‌، و ‌إذا‌ بطل‌ ‌ذلک‌ لزم‌ اتباعه‌ ‌في‌ ترك‌ ‌ما ‌هم‌ ‌عليه‌.

‌ثم‌ حكي‌ ‌ما قالوا ‌في‌ الجواب‌ ‌عن‌ ‌ذلک‌ فإنهم‌ قالوا (إِنّا بِما أُرسِلتُم‌ بِه‌ِ) معاشر الأنبياء (كافرون‌) ‌ثم‌ اخبر ‌تعالي‌ ‌فقال‌ (فَانتَقَمنا مِنهُم‌) بأن‌ أهلكناهم‌ و عجلنا عقوبتهم‌ (فانظر) ‌ يا ‌ ‌محمّد‌ (كَيف‌َ كان‌َ عاقِبَةُ المُكَذِّبِين‌َ) لانبياء اللّه‌ و الجاحدين‌ لرسله‌.

‌قوله‌ ‌تعالي‌: [‌سورة‌ الزخرف‌ (43): الآيات‌ 26 ‌الي‌ 30]

وَ إِذ قال‌َ إِبراهِيم‌ُ لِأَبِيه‌ِ وَ قَومِه‌ِ إِنَّنِي‌ بَراءٌ مِمّا تَعبُدُون‌َ (26) إِلاَّ الَّذِي‌ فَطَرَنِي‌ فَإِنَّه‌ُ سَيَهدِين‌ِ (27) وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي‌ عَقِبِه‌ِ لَعَلَّهُم‌ يَرجِعُون‌َ (28) بَل‌ مَتَّعت‌ُ هؤُلاءِ وَ آباءَهُم‌ حَتّي‌ جاءَهُم‌ُ الحَق‌ُّ وَ رَسُول‌ٌ مُبِين‌ٌ (29) وَ لَمّا جاءَهُم‌ُ الحَق‌ُّ قالُوا هذا سِحرٌ وَ إِنّا بِه‌ِ كافِرُون‌َ (30)