و قوله «ثُمَّ جَعَلناهُ نُطفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ» المعني جعلنا الإنسان، و هو من ولد من نسل آدم «نطفة» و هي القطرة من ماء المني الّتي يخلق اللّه منها الحيوان، علي مجري العادة في التناسل، فيخلق اللّه من نطفة الإنسان إنساناً و من نطفة کل حيوان ما هو من جنسه. و معني «مكين» أي مكين لذاك، بأن هيئ لاستقراره فيه الي بلوغ أمده ألذي جعل له.
و قوله «ثُمَّ خَلَقنَا النُّطفَةَ عَلَقَةً» فالعلقة القطعة من الدم إذا كانت جامدة، فبين اللّه تعالي أنه يصير تلك النطفة علقة، ثم يجعل العلقة مضغة، و هي القطعة من اللحم.
ثم اخبر انه يجعل المضغة «عظاماً»، و قرئ «عظماً» و هي قراءة إبن عامر و أبي بكر عن عاصم. فمن قرأ «عظاماً» أراد ما في الإنسان من أقطاع العظم. و من قرأ «عظماً» فلأنه اسم جنس يدل علي ذلک.
ثم بين تعالي انه يكسو تلك «العِظامَ لَحماً» ينشئه فوقها، کما تكسي الكسوة.
و قوله ثم «أَنشَأناهُ خَلقاً آخَرَ» يعني ينفخ الروح فيه- في قول إبن عباس و مجاهد- و قيل: نبات الأسنان و الشعر، و إعطاء العقل و الفهم. و قيل «خلقاً آخر» معناه ذكر او أنثي. ثم قال «فَتَبارَكَ اللّهُ أَحسَنُ الخالِقِينَ» و معني (تبارك) استحق التعظيم بأنه قديم لم يزل، و لا يزال، و هو مأخوذ من البروك، و هو الثبوت.
و قوله «أَحسَنُ الخالِقِينَ» فيه دلالة علي ان الإنسان قد يخلق علي الحقيقة، لأنه لو لم يوصف بخالق إلا اللّه، لما کان لقوله «أحسن الخالقين» معني. و أصل الخلق التقدير، کما قال الشاعر:
و لأنت تفري ما خلقت و بعض القوم يخلق ثم لا يفري[1]
ثم خاطب الخلق، فقال (ثم إنكم) معاشر الخلق بعد هذا الخلق و الأحياء