«يُصهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِم وَ الجُلُودُ» فالصهر الاذابة. و المعني يذاب بالحميم ألذي يصب من فوق رؤسهم ما في بطونهم من الشحوم و تساقط من حره الجلود. تقول: صهرت الالية بالنار إذا أذبتها، أصهرها صهراً قال الشاعر:
تروي لقي ألقي في صفصف تصهره الشمس فما ينصهر[1]
يعني ولدها، و تروي معناه أن تحمل له الماء في حوصلتها، فتصير له راوية كالبعير ألذي يحمل عليه الماء، يقال: رويت للقوم إذا حملت لهم الماء. و اللقي کل شيء ملقي من حيوان او غيره، و قال الآخر:
شك السفافيد الشواء المصطهر
و قوله تعالي «وَ لَهُم مَقامِعُ مِن حَدِيدٍ» فالمقامع جمع مقمعة، و هي مدقة الرأس.
و مثله المنقفة، قمعه قمعاً إذا ردعه عن الأمر. فالزبانية بأيديهم عمد من حديد يضربون بها رؤسهم إذا أرادوا الخروج من النار من الغم ألذي يلحقهم، و العذاب ألذي ينالهم ردوا بتلك المقاطع فيها و أعيدوا الي حالتهم الّتي كانوا فيها من العقاب. و قيل: يرفعهم زفيرها حتي إذا كادوا أن يخرجوا منها ضربوا بالمقامع، حتي يهووا فيها. و قيل: لهم ذوقوا عذاب الحريق، فالذوق طلب ادراك الطعم، فهو أشد لاحساسه عند تفقده و طلب ادراك طعمه. فأهل النار يجدون ألمها وجدان الطالب لادراك الشيء، و الحريق الغليظ من النار المنتشر العظيم الإهلاك. و قيل: هو بمعني محرق كأليم بمعني مؤلم، فهؤلاء أحد الخمصين. و الآخرون هم المؤمنون الّذين وصفهم في الآية بعدها.