العدل في المجازاة بالحق لكل احد علي قدر استحقاقه، فلا يبخس المثاب بعض ما يستحقه، و لا يفعل بالمعاقب فوق ما يستحقه. و قال الحسن: هو ميزان له كفتان و لسان، يذهب الي انه علامة جعلها الله للعباد يعرفون بها مقادير الاستحقاق. و قال قوم: ميزان ذو كفتين توزن بها صحف الاعمال. و قال بعضهم: يکون في احدي الكفتين نور، و في الأخري ظلمة، فأيهما رجح، علم به مقدار ما يستحقه، و تكون المعرفة في ذلک ما فيه من اللطف و المصلحة في دار الدنيا.
و قوله «لِيَومِ القِيامَةِ» معناه لأهل يوم القيامة. و قيل في يوم القيامة.
و قوله «وَ إِن كانَ مِثقالَ حَبَّةٍ مِن خَردَلٍ أَتَينا بِها» معناه أنه لا يضيع لديه قليل الاعمال و المجازاة عليه، طاعة كانت أو معصية «وَ كَفي بِنا حاسِبِينَ» أي و كفي المطيع أو العاصي بمجازاة اللّه و حسبه ذلک. و في ذلک غاية التهديد، لأنه إذا کان ألذي يتولي الحساب لا يخفي عليه قليل و لا كثير، کان أعظم. و الباء في قوله «كفي بنا» زائدة. و «حاسبين» يحتمل أن يکون نصباً علي الحال أو المصدر- في قول الزجاج.
ثم اخبر اللّه تعالي فقال: «وَ لَقَد آتَينا مُوسي وَ هارُونَ الفُرقانَ» قال مجاهد و قتادة: هو التوراة الّتي تفرق بين الحق و الباطل. و قال إبن زيد: هو البرهان ألذي فرق بين حقه و باطل فرعون، کما قال تعالي «وَ ما أَنزَلنا عَلي عَبدِنا يَومَ الفُرقانِ يَومَ التَقَي الجَمعانِ»[1]. و قوله «و ضياء» أي و آتيناه ضياء يعني أدلة يهتدون بها، کما يهتدون بالضياء. و آتيناه «ذِكراً لِلمُتَّقِينَ» أي مذكراً لهم، يذكرون اللّه به.
و من جعل الضياء و الذكر حالا للفرقان قال: دخلته واو العطف، لاختلاف الأحوال، كقولك جاءني زيد الجواد و الحليم و العالم. و أضافه الي المتقين، لأنهم المنتفعون به دون غيرهم.
ثم وصف المتقين بأن قال «الَّذِينَ يَخشَونَ» عذاب اللّه فيجتنبون معاصيه في