لما قال اللّه تعالي لنبيه محمّد: إن الكفار إذا ما رأوك اتخذوك هزواً و سخرية علم ان ذلک يغمه فسلاه عن ذلک بأن اقسم بأن الكفار فيما سلف استهزؤا بالرسل الّذين بعث اللّه فيهم. و سخروا منهم (فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنهُم ما كانُوا بِهِ يَستَهزِؤُنَ) أي حل بهم عقوبة ما كانوا يسخرون منهم، و حاق معناه حل، حاق يحق حيقاً.
و منه قوله «وَ لا يَحِيقُ المَكرُ السَّيِّئُ إِلّا بِأَهلِهِ»[1] أي يحل و بال القبيح بأهله الّذين يفعلونه، فكان کما أرادوه بالداعي لهم الي اللّه حل بهم.
و الفرق بين الهزء و السخرية، أن في السخرية معني الذلة، لأن التسخير التذليل و الهزء يقتضي طلب صغر القدر مما يظهر في القول.
ثم أمر نبيه (ص) بأن يقول لهؤلاء الكفار «مَن يَكلَؤُكُم بِاللَّيلِ وَ النَّهارِ» أي من يحفظكم من بأس الرحمن و عذابه. و قيل: من عوارض الآفات، يقال: كلأه يكلؤه، فهو كالئ قال إبن هرمة:
إن سليمي و اللّه يكلؤها ضنت بشيء ما کان يرزؤها[2]
و معني (يَكلَؤُكُم ... مِنَ الرَّحمنِ) اي من يحفظكم من أن يحل بكم عذابه و قوله (بَل هُم عَن ذِكرِ رَبِّهِم مُعرِضُونَ) معناه كأنه قال: ما يلتفتون الي شيء من الحجج و المواعظ، بل هم عن ذكر ربهم معرضون. و قيل: من يحفظكم مما يريد اللّه إحلاله بكم من عقوبات الدنيا و الآخرة. ثم قال علي وجه التوبيخ لهم و التقريع (أَم لَهُم آلِهَةٌ تَمنَعُهُم مِن دُونِنا) أي من عذابنا و عقوباتنا. ثم أخبر أنهم (لا يَستَطِيعُونَ نَصرَ أَنفُسِهِم). و قيل: ان المعني إن آلهتهم لا يقدرون علي نصر أنفسهم، فكيف يقدرون علي نصر غيرهم!؟ و قيل ان الكفار