و العكوف لزوم الشيء مع القصد اليه علي مرور الوقت، و منه الاعتكاف في المسجد. ثم اخبر تعالي أن موسي لما رجع الي قومه، قال لهارون « يا هارون ما منعك ألا تتبعني» قال إبن عباس: معناه بمن أقام علي إيمانه. و قال إبن جريج: معناه ألا تتبعني في شدة الزجر لهم عن الكفر. و معني (ألا تتبعني) ما منعك أن تتبعني و (لا) زائدة. کما «قالَ ما مَنَعَكَ أَلّا تَسجُدَ إِذ أَمَرتُكَ»[1] و قد بينا القول في ذلک. و إنما جاز ذلک لأنه المفهوم أن المراد ما منعك بدعائه لك الي أن لا تتبعني فدخلت (لا) لتنبئ عن هذا المعني، و هو منع الداعي دون منع الحائل.
و قوله «أَ فَعَصَيتَ أَمرِي» صورته صورة الاستفهام، و المراد به التقرير، لأن موسي کان يعلم أن هارون لا يعصيه في أمره، فقال له هارون في الجواب «لا تَأخُذ بِلِحيَتِي وَ لا بِرَأسِي» حين أخذ موسي بلحيته و رأسه. و قيل في وجه ذلک قولان:
أحدهما- ان عادة ذلک الوقت أن الواحد إذا خاطب غيره قبض علي لحيته، کما يقبض علي يده في عادتنا، و العادات تختلف و لم يكن ذلک علي وجه الاستخفاف.
و الثاني- انه أجراه مجري نفسه إذا غضب، في القبض علي لحيته، لأنه لم يكن يتهم عليه، کما لا يتهم علي نفسه.
و قوله «إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقتَ بَينَ بَنِي إِسرائِيلَ» معناه إني خفت أني إن فعلت ذلک علي وجه العنف و الإكراه أن يتفرقوا و تختلف كلمتهم و يصيروا أحزاباً، حزباً يلحقون بموسي و حزباً يقيمون مع السامري علي اتباعه، و حزباً يقيمون علي الشك في أمره. ثم لا يؤمن إذا تركتهم كذلك أن يصيروا بالخلاف الي سفك الدماء، و شدة التصميم علي أمر السامري، فاعتذر بما مثله يقبل، لأنه وجه