كانوا غيّباً عنه لم يصلوا إليه. و التفنيد في اللغة هو تضعيف الرأي يقال فنده تفنيداً إذا نسبه الي ضعف الرأي، قال الشاعر:
يا صاحبي دعا لومي و تفنيدي فليس ما فات من امر بمردود[1]
و فنده الدهر اي أفسده، و قال إبن مقبل:
دع الدهر يفعل ما يشاء فانه إذا كلف الإنسان بالدهر افندا[2]
و روي (إذا كلف الافناد بالناس فندا).
قالُوا تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ القَدِيمِ (95)
آية بلا خلاف.
هذا حكاية ما أجاب به من خاطبه يعقوب من اهله «إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ» فإنهم قالوا له «تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ القَدِيمِ» و الضلال هو الذهاب عن جهة الصواب فيه، و انما قالوا لنبي اللّه «إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ القَدِيمِ» لأنهم قالوا كلمة غليظة لم يجز أن يقولوها لنبي اللّه، فحق الأمر فيها أنهم قالوها اشفاقاً عليه من شدة محبته ليوسف- في قول قتادة- و قال الحسن کان عندهم ان يوسف مات، فكان في لهوجه في تذكره ذاهباً عن الصواب في أمره، و القديم في اللغة هو کل شيء متقدم الوجود، و في عرف المتكلمين عبارة عن الموجود لم يزل، و انما جعلوا الضلال قديما علي وجه المبالغة في الصفة و مثله «كَالعُرجُونِ القَدِيمِ»[3] و يقال بناء قديم، و لا يجوز قياساً علي ذلک ان يقال: هذا جسم قديم، لما فيه من الإيهام.
فَلَمّا أَن جاءَ البَشِيرُ أَلقاهُ عَلي وَجهِهِ فَارتَدَّ بَصِيراً قالَ أَ لَم أَقُل لَكُم إِنِّي أَعلَمُ مِنَ اللّهِ ما لا تَعلَمُونَ (96)