ثم قال يوسف لإخوته بعد ان قال لهم «ائتُونِي بِأَخٍ لَكُم مِن أَبِيكُم» متي ما لم تفعلوا ما أمرتكم به من إتيانكم بأخيكم، فأني لا أكيل لكم الطعام، و لا أبايعكم، و مع هذا فلا تقتربون يعني لا تجيئوني، و ألذي اقتضي طلبه الأخ من أبيهم انه فاوضهم و ساءلهم عن اخبارهم و أحوالهم، و اخبار أهلهم، کما يتساءل النّاس عن مثل ذلک، و دل الكلام علي ذلک، و هو من عجيب فصاحة القرآن، و إنما استجاز ان يطلب أخاهم و لا معاملة بينه و بينهم، لأنهم ذكروا ان أباهم آثره عليهم بالمحبة مع حكمته و فضله، أحب ان يراه و تطلعت نفسه الي ان يعلم السبب فيما يقتضي هذه الحال، و انما أخفاهم أمره و لم يطلعهم علي ما أنعم اللّه عليه، لأنه خاف ان يكتموا أباه أمره لما تقدم لهم فيه و أحب ان يجري تدبيره علي تدريج لئلا يهجم عليه ما يشتد معه اضطرابهم.
قالُوا سَنُراوِدُ عَنهُ أَباهُ وَ إِنّا لَفاعِلُونَ (61)
آية بلا خلاف.
هذا حكاية ما أجاب به اخوة يوسف يوسف حين حثهم علي الإتيان بأخيهم بأنهم «قالُوا سَنُراوِدُ عَنهُ أَباهُ» و نحن نفعل ذلک، و المراودة المطالبة من قولهم راد يرود، فهو رائد اي طلب، و فلان يرتاد موضعاً اي يطلبه، و في المثل (الرائد لا يكذب اهله) و منه الارادة و هي طلب الفعل بما هو كالسبب له، لان الداعي الي الفعل داع الي ارادته، لأنّ باجتماع الامرين يقع الفعل من عالم قادر، و الفاعل من جعل الشيء موجوداً بعد ان کان معدوماً، و کل فاعل جاعل، و ليس کل جاعل فاعلًا، لأنه قد يکون جاعلًا علي صفة، كالجاعل للجسم متحركاً. قال الرماني: الفرق بين العامل و الفاعل ان العامل للشيء قد يکون المغير له، و الفاعل لا يکون إلا الموجد له، و الفرق بين العامل و الجاعل ان العامل لا