«وَ ما دُعاءُ الكافِرِينَ إِلّا فِي ضَلالٍ»[1] و هذا انما هو في الجملة، قال الرمّاني: و صرف اللّه تعالي له عن الفعل بالزجر عنه و اعلامه الذم علي فعله، و فرق بين الصرف عن الفعل و الزجر عنه، بأن الزجر عنه بالذم علي إيقاعه. و الصرف عنه اعلامه ان غيره أصلح له من غير ذم عليه لو عمله کما يجب في الزجر، و الظاهر بغير ذلک أشبه، لأن يوسف (ع) کان عالماً بأن ما دعته اليه قبيح يستحق به الذم، و مع ذلک سأل ان يصرف ضرر كيدهن عنه، لأن كيدهن ألذي هو دعاؤهن و اغواؤهن، کان قد حصل، فكأنه قد سأل اللّه تعالي لطفاً من ألطافه يصرفه عنده عن اجابة النسوة إلي ما دعوته من ارتكاب المعصية، لأن ظاهر القول خرج مخرج الشرط و الجزاء المقتضيين للاستقبال، فكان ما قلناه أولي. فقوله «إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ» معناه هاهنا انه السميع لدعاء الداعي العليم باخلاصه في دعائه او ترك إخلاصه و بما يصلحه من الاجابة او يفسده، قال الرمَاني: و لا يجوز ان يکون السميع للصوت بمعني العليم بالصوت موجوداً، لأنه قد يعلم الإنسان موجوداً، إذا کان بعيداً و هو لا يسمعه كعلمه بصوت المطارق في الحدادين، و ليس من طريق الحاسة و انما يعلمه بضرب من الاستدلال او يظن ذلک، و إذا علمه من طريق الحاسة علمه ضرورة، فكان ذلک فرقاً بين الموضعين.
و قال ابو علي الجبائي: في الآية دلالة علي جواز الدعاء بما يعلم انه يکون، لان يوسف عالماً بأنه إن کان له لطف فلا بد ان يفعل اللّه به، و مع هذا سأله.
و ليس في الآية ما يدل علي ذلک لأنه لا يمتنع ان يکون يوسف سأل لتجويزه ان يکون له لطف عند الدعاء، و لو لم يدع له لم يكن ذلک لطفاً، فما سأل الا ما جوَّز ان لا يکون لو لم يدع، غير ان المذهب: ما قال ابو علي لأنه تعالي تعبَّدنا بأن نقول «رَبِّ احكُم بِالحَقِّ»[2] و قد علمنا انه لا يحكم الا بالحق، و لكن الآية لا تدل علي ذلک.