‌هذا‌ خطاب‌ للذين‌ آمنوا ‌من‌ ‌بين‌ المكلفين‌ ناداهم‌ اللّه‌ ليقبلوا ‌الي‌ امر اللّه‌ ‌بما‌ يأمرهم‌ ‌به‌ و انتهائهم‌ عما ينهاهم‌ عنه‌ بالتأمل‌ ‌له‌ و التدبر لموجبه‌ ليعملوا ‌به‌ و يكونوا ‌علي‌ يقين‌ ‌منه‌. و ‌قوله‌ «إِذا لَقِيتُم‌ُ الَّذِين‌َ كَفَرُوا» فالالتقاء الاجتماع‌ ‌علي‌ وجه‌ المقاربة لأن‌ الاجتماع‌ ‌قد‌ ‌يکون‌ ‌علي‌ ‌غير‌ وجه‌ المقاربة، ‌فلا‌ ‌يکون‌ لقاء كاجتماع‌ الاعراض‌ ‌في‌ المحل‌ الواحد. و «الَّذِين‌َ كَفَرُوا» ‌هم‌ ‌الّذين‌ جحدوا نعم‌ اللّه‌ ‌او‌ ‌من‌ ‌کان‌ بمنزلة الجاحد.

فالمشرك‌ كافر، لأنه‌ ‌في‌ حكم‌ الجاحد لنعم‌ اللّه‌ إذ ‌عبد‌ غيره‌.

و ‌قوله‌ «زحفاً» نصب‌ ‌علي‌ المصدر، فالزحف‌ ‌هو‌ الدنو قليلا قليلا و التزاحف‌ التداني‌، زحف‌ يزحف‌ زحفاً، و ازحفت‌ القوم‌ ‌إذا‌ دنوت‌ لقتالهم‌ و ثبت‌ ‌لهم‌، و المزحف‌ ‌من‌ الشعر ‌ألذي‌ ‌قد‌ تدانت‌ حروفه‌ ‌علي‌ ‌ما أبطلت‌ وزنه‌.

و ‌قوله‌: «فَلا تُوَلُّوهُم‌ُ الأَدبارَ» نهي‌ ‌لهم‌ ‌عن‌ الفرار ‌عن‌ الفرار عند لقائهم‌ الكفار و قتالهم‌ إياهم‌.

‌قوله‌ ‌تعالي‌: [‌سورة‌ الأنفال‌ (8): آية 16]

وَ مَن‌ يُوَلِّهِم‌ يَومَئِذٍ دُبُرَه‌ُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتال‌ٍ أَو مُتَحَيِّزاً إِلي‌ فِئَةٍ فَقَد باءَ بِغَضَب‌ٍ مِن‌َ اللّه‌ِ وَ مَأواه‌ُ جَهَنَّم‌ُ وَ بِئس‌َ المَصِيرُ (16)

اخبر اللّه‌ ‌تعالي‌ ‌ان‌ «مَن‌ يُوَلِّهِم‌» يعني‌ الكفار «يومئذ» يوم القتال‌ «دبره‌ فَقَد باءَ بِغَضَب‌ٍ مِن‌َ اللّه‌ِ». و التولية جعل‌ الشي‌ء يلي‌ غيره‌ و ‌هو‌ متعد ‌الي‌ مفعولين‌. ولاه‌ دبره‌ ‌إذا‌ جعله‌ يليه‌، و ‌منه‌ ولاه‌ البلد ‌من‌ ولاية الامارة، و تولي‌ ‌هو‌ ‌إذا‌ قبل‌ الولاية و أولاه‌ نعمة، لأنه‌ جعلها تليه‌.

و ‌قوله‌ «يومئذ» يجوز اعرابه‌ و بناؤه‌، فاعرابه‌ لأنه‌ متمكن‌ أضيف‌ ‌علي‌ تقدير الاضافة الحقيقية، كقولك‌ ‌هذا‌ يوم ‌ذلک‌، و أما البناء فلانه‌ أضيف‌ ‌الي‌ مبني‌ اضافة ‌غير‌ حقيقية، فأشبه‌ الأسماء المركبة. و ‌قوله‌ «إِلّا مُتَحَرِّفاً لِقِتال‌ٍ» فالتحرف‌ الزوال‌