ثم بالغائب، و لو اتي بالمنفصل لجاز لتباعده عن العامل بما فرق بينه و بينه، فأشبه ما ضربت إلا إياك، و ما ضربني إلا انت. و أجاز الفراء «أ نلزمكموها» بتسكين الميم جعله بمنزلة عضد و عضد و كبد و كبد. و لا يجوز ذلک عند البصريين، لأن الاعراب لا يلزم فيه النقل کما يلزم في بناء الكلمة، و إنما يجيزون مثل ذلک في ضرورة الشعر كقول امرئ القيس:
فاليوم أشرب غير مستحقب إثماً من اللّه و لا واعل[1]
و قال آخر:
و ناع يخبرنا بمهلك سيد تقطع من وجد عليه الأنامل
إذا اعوججن قلت صاحب قوم
وَ يا قَومِ لا أَسئَلُكُم عَلَيهِ مالاً إِن أَجرِيَ إِلاّ عَلَي اللّهِ وَ ما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُم مُلاقُوا رَبِّهِم وَ لكِنِّي أَراكُم قَوماً تَجهَلُونَ (29)
في هذه الآية حكاية ما قال نوح لقومه أي لا أطلب منكم ما لا أجراً علي الرسالة و دعائكم الي اللّه فتمتنعون من إجابتي بل أجري و ثوابي في ذلک علي اللّه.
و قوله «وَ ما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا» معناه إني لست أطرد المؤمنين من عندي و لا أبعدهم علي وجه الاهانة. و قيل: انهم كانوا سألوه طردهم ليؤمنوا أنفة أن يكونوا معهم علي سواء، ذكره إبن جريح و الزجاج- و قوله «إِنَّهُم مُلاقُوا رَبِّهِم» اخبار بأن هؤلاء المؤمنين ملاقوا جزاء ربهم بعقاب من طردهم. في قول الزجاج.