امر اللّه تعالي نبيه في هذه الاية أن يقول للخلق قد جاءكم الحق من اللّه و هو ألذي من عمل به من العباد نجا، و ضده الباطل و هو ألذي من عمل به هلك، فمن عمل بالحق کان حكيما، و من عمل بالباطل کان سفيهاً. و المراد بالحق هاهنا ما أتي به النبي صلي الله عليه و آله من القرآن و الشرائع و الأحكام و غير ذلک من الآيات و الدلالات «فَمَنِ اهتَدي» بها بأن نظر فيها و عرفها حقاً و صواباً «فَإِنَّما يَهتَدِي لِنَفسِهِ» و معناه فان منافع ذلک تعود عليه من الثواب دون غيره «وَ مَن ضَلَّ» عنها و عدل عن تأملها و الاستدلال بها و العمل بموجبها «فَإِنَّما يَضِلُّ» عن منافع نفسه و هو الجاني عليها. و قوله «وَ ما أَنَا عَلَيكُم بِوَكِيلٍ» معناه و ما أنا عليكم بوكيل في منعكم من اعتقاد الباطل بل انظروا لأنفسكم نظر من يطالب بعمله و لا يطالب غيره بحفظه كأنه قال ما أنا حافظكم من الهلاك إذا لم تنظروا أنتم لأنفسكم و لم تعملوا بما يخلصها کما يحفظ الوكيل مال غيره.
وَ اتَّبِع ما يُوحي إِلَيكَ وَ اصبِر حَتّي يَحكُمَ اللّهُ وَ هُوَ خَيرُ الحاكِمِينَ (109)
أمر اللّه تعالي نبيه صلي الله عليه و آله ان يتبع ما يوحي اليه. و الإيحاء إلقاء المعني في النفس علي وجه خفي و هو ما يجيء به الملك الي النبي صلي الله عليه و آله عن اللّه تعالي فيلقيه اليه و يخصه به من غير أن يري ذلک غيره من الخلق.
و قوله «و اصبر» امر من اللّه تعالي له بالصبر و هو تجرع مرارة الامتناع