أَ وَ لَم يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِم مِن جِنَّةٍ إِن هُوَ إِلاّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (184) أَ وَ لَم يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَ الأَرضِ وَ ما خَلَقَ اللّهُ مِن شَيءٍ وَ أَن عَسي أَن يَكُونَ قَدِ اقتَرَبَ أَجَلُهُم فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعدَهُ يُؤمِنُونَ (185)
آيتان هذا خطاب من اللّه تعالي للكفار الّذين كانوا ينسبون النبي صلي الله عليه و آله و سلّم الي الجنون علي وجه التوبيخ لهم و التقريع «أَ وَ لَم يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِم مِن جِنَّةٍ» اي و ليس بالنبي صلي الله عليه و آله و سلّم جنة و هي الجنون، فانه لا يأتي بمثل ما يأتي به المجنون، و هم يرون الأصحاء منقطعين دونه و يرون صحة تدبيره و استقامة أعماله و ذلک ينافي أعمال المجانين.
و بين انه ليس به صلي الله عليه و آله و سلّم إلا الخوف للعباد من عقاب اللّه، لأن الانذار هو الاعلام عن المخاوف، فبين لهم ما عليهم من أليم العذاب بمخالفته ثم قال «أَ وَ لَم يَنظُرُوا» و معناه يفكروا «فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَ الأَرضِ» و عجيب صنعهما فينظروا فيهما نظر مستدل معتبر، فيعرفون بما يرون من اقامة السماوات و الإرض مع عظم أجسامهما و ثقلهما علي غير عمد و تسكينها من غير آلة فيستدلوا بذلك علي انه خالقها و مالكها و أنه لا يشبهها و لا تشبهه.
و قوله «وَ ما خَلَقَ اللّهُ مِن شَيءٍ» يعني و ينظروا فيما خلق اللّه تعالي من اصناف خلقه فيستدلوا بذلك علي انه تعالي خالق جميع الأجسام و أنه أولي بالالهية من الأجسام المحدثة.
و قوله تعالي «وَ أَن عَسي أَن يَكُونَ قَدِ اقتَرَبَ أَجَلُهُم» معناه أ و لم يتفكروا