لما أخبر اللّه تعالي عن حال المتأخرين عن النبي صلي الله عليه و آله و القاعدين عن الجهاد معه و أنهم منافقون قد طبع علي قلوبهم فهم لا يفقهون. أخبر عن الرسول صلي الله عليه و آله و من معه و أنهم منافقون قد طبع علي قلوبهم فهم لا يفقهون. أخبر عن الرسول صلي الله عليه و آله و من معه من المؤمنين المطيعين للّه و رسوله بأنهم يجاهدون في سبيل اللّه بأموالهم و أنفسهم بالأموال الّتي ينفقونها في مرضاة اللّه و عدة الجهاد و يقاتلون الكفار بنفوسهم. ثم اخبر عما أعدّ لهم من الجزاء علي أفعالهم تلك و انقيادهم للّه و رسوله، فقال «أولئك» يعني النبي و الّذين معه «لَهُمُ الخَيراتُ» في الجنة و نعيمها و خيراتها، و انهم المفلحون ايضاً الفائزون بكرامة اللّه. و الخيرات هي المنافع الّتي تسكن النفس اليها و ترتاح بها من النساء الحسان و غيره من نعيم الجنان واحده خيرة- هذا قول أبي عبيدة- و قال رجل من بني عدي:
و لقد طعنت مجامع الربلات ربلات هند خيرة الملكات[1]
و الفلاح النجاح بالوصول الي البغية من نجح الحاجة و هو قضاؤها.
أَعَدَّ اللّهُ لَهُم جَنّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الفَوزُ العَظِيمُ (89)
بين اللّه تعالي انه «أعد» لهؤلاء المؤمنين و الرسول «جنات» يعني بساتين «تَجرِي مِن تَحتِهَا» و معناه من تحت أشجارها «الأَنهارُ». و الاعداد جعل الشيء مهيئاً لغيره تقول: اعدّ إعداداً و استعدّ له استعداداً و هو من العدد، لأنه قد عدّ اللّه جميع ما يحتاج الي تقديمه له من الأمور و مثله الاتخاذ. و الوجه في أعداد ذلک قبل مجيء وقت الجزاء أن تصوره لذلك ادعي الي الطاعة و آكد في الحرص عليها