تكون من قوله «تَذرُوهُ الرِّياحُ»[1] أبدلت من الواو الياء لوقوع ياء قبلها.
و حجة أبي عمرو في قراءته بالياء ان ما تقدم ذكره من الغيبة و هو قوله عز و جل «وَ إِذ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِم ذُرِّيَّتَهُم وَ أَشهَدَهُم عَلي أَنفُسِهِم» كراهية ان يقولوا أو لئلا يقول، و يؤكد ذلک ما جاء بعد من الاخبار عن الغيبة و هو قوله:
«قالُوا بَلي».
و حجة من قرأ بالتاء انه قد جري في الكلام خطاب و هو قوله «أَ لَستُ بِرَبِّكُم قالُوا بَلي شَهِدنا» و كلا الوجهين حسن لأن الغيب هم المخاطبون في المعني.
و هذا خطاب للنبي صلي اللّه عليه و آله و سلّم قال اللّه تعالي له: و اذكر أيضاً الوقت ألذي أخذ اللّه فيه من بني آدم من ظهورهم ذريتهم و اشهدهم علي أنفسهم ا لست بربكم!.
و اختلفوا في معني هذا الأخذ فيه و هذا الاشهاد:
فقال البلخي و الرماني أراد بذلك البالغين من بني آدم و إخراجه إياهم ذرية قرناً بعد قرن و عصراً بعد عصر و اشهاده إياهم علي أنفسهم تبليغه إياهم و إكماله عقولهم، و ما نصب فيها من الأدلة الدالة بأنهم مصنوعون و ان المصنوع لا بد له من صانع، و بما اشهدهم مما يحدث فيهم من الزيادة و النقصان و الآلام و الأمراض الدال بجميع ذلک علي ان لهم خالقاً رازقاً تجب معرفته و القيام بشكره، و ما اخطر بقلوبهم من تأكيد ذلک و الحث علي الفكر فيه، ثم إرساله الرسل و إنزاله الكتب، لئلا يقولوا إذا صاروا الي العذاب: إنا كنا عن هذا غافلين، لم ينبه علينا و لم تقم لنا حجة عليه و لم تكمل عقولنا فنفكر فيه، او يقول قوم منهم: إنما أشرك آباؤنا حين بلغوا و عقلوا فأما نحن فكنا أطفالا لا نعقل و لا نصلح للفكر و النظر و التدبير.
و قال الجبائي: أخذه ذرياتهم من ظهورهم انه خلقهم نطفاً من ظهور الآباء، ثم خلقهم في أرحام الأمهات، ثم نقلهم من خلقة الي خلقة، و صورة الي صورة، ثم صاروا حيواناً بأن أحياهم اللّه في الأرحام، و أتم خلقهم، ثم أخرجهم من الأرحام بالولادة