معه الي تبوك لما استأذنوه في التأخر فأذن لهم، فرحوا بقعودهم خلاف رسول اللّه.
و المخلف المتروك خلف من مضي، و مثله المؤخر عمن مضي تقول: خلف تخليفاً و تخلف تخلفاً. و الفرح ضد الغم، و الغم ضيق الصدر بفوت المشتهي، و عند البصريين من المعتزلة هو اعتقاد وصول الضرر اليه في المستقبل او دفع الضرر المظنون و المعلوم عنه. و معني خلاف رسول اللّه قال أبو عبيدة: بعد رسول اللّه و أنشد:
عقب الربيع خلافهم فكأنما بسط الشواطب بينهن حصيرا[1]
و قال غيره: معناه المصدر من قولك خالف خلافاً و هو نصب علي المصدر.
و قوله «وَ كَرِهُوا أَن يُجاهِدُوا بِأَموالِهِم وَ أَنفُسِهِم فِي سَبِيلِ اللّهِ» اخبار منه تعالي ان هؤلاء المخلفين فرحوا بالتأخر و كرهوا إنفاق أموالهم و الجهاد بنفوسهم في سبيل اللّه، فالجهاد بالمال هو تحمل لمشقة الإنفاق في وجوه البر، و الجهاد بالنفس هو تعريضها لما يشق عليها اتباعاً لأمر اللّه. و قوله «لا تَنفِرُوا فِي الحَرِّ» معناه انهم قالوا لنظرائهم و من يقبل منهم: لا تخرجوا في الوقت الحار، فقال اللّه تعالي لنبيه صلي الله عليه و آله قل لهم «نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَو كانُوا يَفقَهُونَ» لأنهم توقوّا بالقعود عن الخروج حرّ الشمس، فخالفوا بذلك أمر اللّه و أمر رسوله، و استحقوا حرّ نار جهنم، و كفي بهذا الاختيار جهلا ممن اختاره. و قوله «لَو كانُوا يَفقَهُونَ» معناه لو كانوا يفقهون وعظ اللّه و تحذيره و تزهيده في معاصيه.
فَليَضحَكُوا قَلِيلاً وَ ليَبكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكسِبُونَ (82)