و قوله «لن تراني» جواب من اللّه تعالي لموسي أنه لا يراه علي الوجه ألذي سأله، و ذلک دليل علي أنه لا يري لا في الدنيا و لا في الآخرة، لأن (لن) تنفي علي وجه التأبيد، کما قال «وَ لَن يَتَمَنَّوهُ أَبَداً»[1] و هذا إنما يمكن أن يعتمده من قال بالجواب الأول، فأما من قال: انه سأل العلم الضروري أو عالماً من أعلام الساعة لا يمكنه أن يعتمده، لأن ذلک يحصل في الآخرة، فيجري ذلک مجري اختصاص الرؤية بالبصر علي مذهب المخالف بحال الدنيا.
و قوله تعالي «فَإِنِ استَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوفَ تَرانِي» معناه إن استقر الجبل في حال ما جعله دكاً متقطعاً فسوف تراني، فلما کان ذلک محالًا لأن الشيء لا يکون متحركاً ساكناً في حال واحدة، كانت الرؤية المتعلقة بذلك محالة، لأنه لا يعلق بالمحال إلا المحال.
و قوله «فَلَمّا تَجَلّي رَبُّهُ لِلجَبَلِ» معناه ظهر بآياته الّتي أحدثها في الجبل لحاضري الجبل بأن «جَعَلَهُ دَكًّا». و قيل: إن اللّه تعالي أبرز من ملكوته ما تدكدك به إذ في حكمه أن الدنيا لا تقوم لما يبرز من الملكوت ألذي في السموات، کما قيل: إنه ابرز الخنصر من العرش، و يجوز أن يکون المراد «فَلَمّا تَجَلّي رَبُّهُ» لأهل الجبل، کما قال «وَ سئَلِ القَريَةَ»[2] و التجلي هو الظهور، و يکون ذلک تارة بالرؤية، و أخري بالدلالة، قال الشاعر:
تجلي لنا بالمشرفية و القنا و قد کان عن وقع الأسنة نائيا
و إنما أراد الشاعر أن تدبيره دل عليه حتي علم أنه المدبر لذلك و أن تدبيره صواب، فقال تجلي أي علم، و لم ير بالأبصار، و لا أدرك بالحواس، لأنه کان عن وقع الأسنة نائياً، و لكن استدل عليه بحسن تدبيره.
و قال قوم: معناه فلما تجلي بالجبل لموسي قالوا: و حروف الصفات تتعاقب فيكون (اللام) بمعني (الباء). و قال قوم: لو أراد موسي الرؤية بالبصر لقال أرينك أو أرني نفسك، و لا يجوز غير ذلک في اللغة.