نصب الادلة، لأنه تعالي قال في آخر الآيات: «وَ كَذلِكَ نَجزِي المُحسِنِينَ» فبين أن ذلک جزاء و لا يليق إلا بالثواب ألذي يختص به المحسنون دون الهداية الّتي هي الدلالة و يشترك فيها المؤمن و الكافر، و هو قول أبي علي الجبائي و البلخي.
و قوله: «أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيناهُمُ الكِتابَ وَ الحُكمَ وَ النُّبُوَّةَ» إشارة الي من تقدم ذكره من الأنبياء.
و قوله «فَإِن يَكفُر بِها هؤُلاءِ» يعني الكفار الّذين جحدوا نبوة النبي (ص) في ذلک الوقت، «فَقَد وَكَّلنا بِها قَوماً لَيسُوا بِها بِكافِرِينَ» معني (وَكَّلنا بِها) اي وكلنا بمراعاة أمر النبوة و تعظيمها و الأخذ بهدي الأنبياء قوما ليسوا بها بكافرين. و إنما أضاف ذلک إلي المؤمنين و ان کان قد فعل بالكافرين أيضا ازاحة العلة في التكليف من حيث أن المؤمنين هم الّذين قاموا بذلك و عملوا به فأضافه اليهم، کما أضاف قوله «هُديً لِلمُتَّقِينَ» و ان کان هداية لغيرهم.
و قيل في المعنيين بقوله «لَيسُوا بِها بِكافِرِينَ» ثلاثة اقوال: أحدها- انه عني بذلك الأنبياء الّذين جري ذكرهم آمنوا بما أتي به النبي (ص) في وقت مبعثهم و هو قول الحسن و الزجاج و الطبري و الجبائي. قال الزجاج لقوله تعالي «أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَي اللّهُ فَبِهُداهُمُ اقتَدِه» و ذلک اشارة الي الأنبياء الّذين ذكرهم و وصفهم و امر النبي (ص) بالاقتداء بهداهم.
و الثاني- انه عني به الملائكة، ذهب اليه أبو رجاء العطاردي.
و قال قوم عني به من آمن من أصحاب النبي (ص) في وقت مبعثه.
و قال الفراء و الضحاك: قوله «فَإِن يَكفُر بِها هؤُلاءِ» يعني أهل مكة «فَقَد وَكَّلنا بِها قَوماً لَيسُوا بِها بِكافِرِينَ» يعني أهل المدينة، و الأول أقوي.
و في الآية دلالة علي ان اللّه تعالي يتوعد من يعلم انه لا يشرك و لا يفسق و ان الوعد و الوعيد قد يكونان بشرط.
و قوله: «أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَي اللّهُ» معناه أولئك الّذين حكم اللّه لهم