و حط من قدر الدعاء، و البيان و الحجاج. ثم قال له (ص) ان أنساك الشيطان ذلک «فَلا تَقعُد بَعدَ الذِّكري»- و الذكري و الذكر واحد- «مَعَ القَومِ الظّالِمِينَ» يعني هؤلاء الّذين يخوضون في ذكر اللّه و آياته. ثم رخص للمؤمنين بقوله: «وَ ما عَلَي الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِن حِسابِهِم»[1] بأن يجالسوهم إذا كانوا مظهرين للتكبر عليهم غير خائفين منهم، و لكن ذكري يذكرونهم أي ينبهونهم ان ذلک يسوءهم «لَعَلَّهُم يَتَّقُونَ» ثم نسخ ذلک بقولهفيبه «وَ قَد نَزَّلَ عَلَيكُم فِي الكِتابِ أَن إِذا سَمِعتُم آياتِ اللّهِ يُكفَرُ بِها وَ يُستَهزَأُ بِها» الي قوله:فيبه «إِنَّكُم إِذاً مِثلُهُم»[2] و بهذا قال سعيد بن جبير و السدي و جعفر بن مبشر، و اختاره البلخي و
قال: في أول الإسلام کان ذلک يخص النبي (ص) و رخص المؤمنين فيه، ثم لما عزَّ الإسلام، و كثر المؤمنون نهوا عن مجالستهم و نسخت الآية.
و استدل الجبائي بهذه الآية علي انه لا يجوز علي الائمة المعصومين علي مذهبنا التقية. (و قال: لأنهم إذا كانوا الحجة كانوا مثل النبي، و کما لا يجوز عليه التقية فكذا الامام- علي مذهبكم-)؟ و هذا ليس بصحيح، لأنا لا نجوز علي الامام التقية فيما لا يعرف الا من جهته، كالنبي و انما تجوز التقية عليه فيما يکون عليه دلالة قاطعة موصلة الي العلم، لان المكلف علته مزاحة في تكليفه، و كذلك يجوز في النبي (ص) أن لا يبين في الحال، لامته ما يقوم منه بيان منه أو من اللّه أو عليه دلالة عقلية، و لذلك
قال النبي (ص) لعمر حين سأله عن الكلالة فقال (يكفيك آية الصيف) و أحال آخر في تعرف الوضوء علي الآية
، فأما ما لا يعرف الا من جهته، فهو و الامام فيه سواء لا يجوز فيهما التقية في شيء من الأحكام.
و استدل الجبائي أيضا بالآية علي ان الأنبياء يجوز عليهم السهو و النسيان قال بخلاف ما يقوله الرافضة بزعمهم من أنه لا يجوز عليهم شيء من ذلک. و هذا ليس بصحيح أيضا لأنا نقول انما لا يجوز عليهم السهو و النسيان فيما يؤدونه عن اللّه، فأما غير ذلک فانه يجوز أن ينسوه أو يسهو عنه مما لم يؤد ذلک الي