و الثاني- ان يکون عني انهم صم و بكم في الظلمات في الدنيا. فمتي أريد الاول کان ذلک حقيقة، لأنه تعالي لا يمتنع ان يجعلهم صما بكما في الظلمات، يضلهم بذلك عن الجنة و عن الصراط ألذي يسلكه المؤمنون اليها و يصيرهم الي النار. و ان أريد به الوجه الثاني، فانه يکون مجازا و توسعا.
و انما شبههم بالصم و البكم الّذين في الظلمات، لان المكذبين بآيات اللّه لا يهتدون الي شيء مما ناله المؤمنون من منافع الدين و لا يصلون الي ذلک، کما أن الصم البكم الّذين في الظلمات لا يهتدون الي شيء من منافع الدنيا و لا يصلون اليها، فتشبيههم من هذا الوجه بالصم البكم.
و قال البلخي «صُمٌّ وَ بُكمٌ فِي الظُّلُماتِ» معناه في الجهل و الشرك و الكفر و قوله «مَن يَشَأِ اللّهُ يُضلِلهُ وَ مَن يَشَأ يَجعَلهُ عَلي صِراطٍ مُستَقِيمٍ» لا يجوز ان يکون علي عمومه، لأنا قد علمنا ان اللّه تعالي لا يشاء ان يضل الأنبياء و المؤمنين و لا يهدي الكافرين، لكن قد بين تعالي في موضع آخر من ألذي يشاء ان يضله، فقال «وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الفاسِقِينَ»[1] و قال «وَ يُضِلُّ اللّهُ الظّالِمِينَ وَ يَفعَلُ اللّهُ ما يَشاءُ»[2] و قال «وَ الَّذِينَ اهتَدَوا زادَهُم هُديً»[3] و قال:
«يَهدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ»[4] و قال «وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنا»[5].
و قوله «مَن يَشَأِ اللّهُ يُضلِلهُ» ها هنا يحتمل أمرين:
أحدهما- «مَن يَشَأِ اللّهُ يُضلِلهُ» أي من يشأ يخذله بأن يمنعه ألطافه و فوائده، و ذلک إذا واتر عليه الادلة و أوضح له البراهين فأعرض عنها و لم يمعن النظر فيها، فصار كالأصم الأعمي، فحينئذ يشاء أن يضله بان يخذله.
و الثاني- من يشأ اللّه إضلاله عن طريق الجنة، و نيل ثوابها يضلله علي