«يَرَونَهُم مِثلَيهِم» يحتمل وجوهاً أحدها- ما روي عن إبن مسعود، و غيره من أهل العلم أن اللّه قلل المشركين يوم بدر في أعين المسلمين لتقوي قلوبهم فرأوهم مثلي عدتهم.
و قال الفراء يحتمل ثلاثة أمثالهم کما يقول القائل إلي الف و احتاج إلي مثليه أي مضافاً إليه لا بمعني بدلا منه، فكذلك ترونهم مثليهم مضافاً إليهم فذلك ثلاثة أمثالهم، و أنكر هذا الوجه الزجاج، لمخالفته لظاهر الكلام. و ما جاء في الآية الأخري في الانفال من تقليل الاعداد. فان قيل كيف يصح تقليل الاعداد مع حصول الرؤية و ارتفاع الموانع و هل هذا إلا ما تقوله المجبرة من أنه يجوز أن يکون بحضرتنا أشياء تدرك بعضها دون بعض بحسب ما يفعل فينا من الإدراك و هذا عندنا سفسطة تقليل في المشاهدات! قلنا: يحتمل أن يکون التقليل في أعين المؤمنين بأن يظنونهم قليلي العدد، لأنهم أدركوا بعضهم دون بعض، لأن العلم بما يدركه الإنسان جملة غير العلم بما يدركه مفصلا، و لهذا: إذا رأينا جيشاً كبيراً أو جمعاً عظيما ندرك جميعهم، و نتبين أطرافهم و مع هذا نشك في أعدادهم حتي يقع الخلف بين النّاس في حزر عددهم، فعلي هذا يکون تأويل الآية. و قد ذكر الفراء عن إبن عباس أنه قال: رأي المسلمون المشركين مثليهم في الحزر بستمائة و کان المشركون سبعمائة و خمسين. فأما قوله في الأنفال: «وَ إِذ يُرِيكُمُوهُم إِذِ التَقَيتُم فِي أَعيُنِكُم قَلِيلًا وَ يُقَلِّلُكُم فِي أَعيُنِهِم»[1] فلا ينافي هذا لأن هذه آية للمسلمين أخبرهم بها و تلك آية لأهل الكفر حجة عليهم.
علي أنك تقول في الكلام إني لأري كثيركم قليلا أي تهونون علي لأني أري الثلاثة اثنين ذكره الفراء، و هو جيد. و قيل: الوجه في تقليل الكفار في أعين المؤمنين أن يکون أقوي لقلوب المؤمنين، فلا يفزعوا، و لا يفشلوا، و يتجرءوا علي قتالهم. و الوجه في تقليل المؤمنين في أعين الكفار إذا رأوهم قليلين استهانوا بهم و استحقروهم فلم يأخذوا أهبتهم و لم يستعدوا کل الاستعداد فيظفر بهم المؤمنون، و هو جيد أيضاً. و قال البلخي إنما قال مثليهم و هم كانوا ثلاثة أمثالهم لأنه أقام الحجة عليهم بأنهم و إن كانوا ثلاثة أمثالهم فلم يخرجوا من أن يكونوا