أن يکون الكل كفاراً، و بعضهم يكفر من جهة الغلوّ، و بعضهم من جهة التقصير کما كفرت اليهود، و النصاري في عيسي (ع)، فقالت النصاري: هو ربّ، فغالوا. و قصّرت اليهود، فقالوا: كذاب متخرص. فان قيل: كيف يکون الكل كفاراً مع قوله: «فَهَدَي اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا»! قلنا: لا يمتنع أن يكونوا كلهم كانوا كفاراً، فلما بعث اللّه اليهم بالأنبياء مبشرين، و منذرين اختلفوا، فآمن قوم، و لم يؤمن آخرون.
و روي عن أبي جعفر (ع) أنه قال: كانوا قبل نوح أمة واحدة علي فطرة اللّه، لا مهتدين، و لا ضُلّالا، فبعث اللّه النبيين.
و قوله تعالي: «بَغياً بَينَهُم» نصب علي المفعول له، كأنه قال للبغي بينهم- علي قول الأخفش، و الزجاج-. و قال بعضهم: الاستثناء متعلق بثلاثة أشياء، كأنه قال: «وَ مَا اختَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ»، ما اختلفوا فيه إلا من بعد ما جاءتهم البينات، ما اختلفوا فيه إلا بغياً بينهم. إلا أنه حذف الثاني لدلالة الأول عليه. قال الرماني: و الصحيح الأول، لأنه لا يحكم بالحذف مع استقامة الكلام من غير حذف إلا لعذر.
و قوله: «فَهَدَي اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اختَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذنِهِ» معناه: هداهم للحق، و هو ألذي اختلفوا فيه. و قيل في معني باذنه قولان:
أحدهما- بلطفه، و لا بد من محذوف علي هذا التأويل، أي فاهتدوا باذنه، لأن الله عز و جل، لا يفعل الشيء بإذن أحد يأذن له فيه، و لكن قد يجوز أن يکون علي جهة التفسير للهدي، كأنه قال: هداهم بأن لطف لهم، و هداهم بأن أذن لهم. و قال الجبائي: لا بد من أن يکون علي حذف (فاهتدوا) باذنه.
و القول الثاني- هداهم بالحق بعلمه، و الاذن بمعني العلم معروف في اللغة قال