و في الآية دلالة علي وجوب النظر في الدين، لأنه تعالي ضرب المثل بالناظر في ما يسلكه حتي خلص إلي الطريق المستقيم فمدحه بهذا و ذم التارك للنظر مكباً علي وجهه لا يثق بسلامة طريقه، يقال: اكبّ يكبّ اكباباً فهو مكب في ما لا يتعدي قال الأعشي:
مكباً علي روقيه يحفر عرقها علي ظهر عريان الطريقة أهيما[1]
.
فإذا تعدي قيل: كببت فلاناً علي وجهه، و أكبه اللّه لوجهه. ثم قال تعالي لنبيه صلي الله عليه و آله (قُل) لهؤلاء الكفار إن اللّه تعالي (هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم) بأن أخرجكم من العدم إلي الوجود و اخترعكم (وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمعَ وَ الأَبصارَ) تسمعون بالسمع المسموعات و تبصرون بالبصر المبصرات (وَ الأَفئِدَةَ) يعني القلوب تعقلون فيها أي بما فيها من المعلوم تعلمون بها و تميزون بها، فهذه نعم من اللّه تعالي يجب عليكم أن تشكروها و تحمدوا اللّه عليها فأنتم (قَلِيلًا ما تَشكُرُونَ) أي قليلا شكركم، و يجوز أن يکون المعني إنكم تشكرون قليلا.
ثم قال (قُل) لهم يا محمّد (هُوَ) اللّه تعالي (الَّذِي ذَرَأَكُم فِي الأَرضِ) أي خلقكم أولا و أوجدكم (وَ إِلَيهِ تُحشَرُونَ) أي تبعثون اليه يوم القيامة فيجازيكم علي أعمالكم علي الطاعة بالثواب و علي المعصية بالعقاب. ثم حكي تعالي ما کان يقوله الكفار فإنهم كانوا (يَقُولُونَ) مستهزئين مكذبين بأنه من عند اللّه (مَتي هذَا الوَعدُ) ألذي تعدوننا به من العذاب و الهلاك (إِن كُنتُم صادِقِينَ) معاشر المؤمنين و المسلمين، فقال اللّه تعالي (قُل) لهم يا محمّد (إِنَّمَا العِلمُ عِندَ اللّهِ) يعني علم وقت قيام الساعة علي اليقين عند اللّه لم يطلع عليه احداً من البشر، کما قال (إِنَّ اللّهَ عِندَهُ عِلمُ السّاعَةِ)[2] (وَ إِنَّما أَنَا نَذِيرٌ) لكم مخبر مخوف من عقاب اللّه تعالي