ثلاث آيات.
هذا أمر من الله تعالي للمكلفين يأمرهم بأن يتقوه بأن يتركوا معاصيه و يفعلوا طاعاته. فالاتقاء الامتناع من الردي باجتناب ما يدعو اليه الهوي، يقال: اتقاه بالترس إذا امتنع منه بأن جعله حاجزاً بينه و بينه. و قوله «مَا استَطَعتُم» معناه اتقوه بحسب طاقتكم، فان الله تعالي لا يكلف نفساً ما لا تطيقه، و إنما يكلفها ما تسعه له، و لا ينافي هذا قوله «اتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقاتِهِ»[1] لان کل واحد من الأمرين إنما هو إلزام ترك جميع معاصيه فمن ترك جميع المعاصي فقد اتقي عقاب الله، لان من لم يفعل قبيحاً و لا أخل بواجب فلا عقاب عليه إلا أن في احد الكلامين تبيين أن التكليف لا يلزم العبد إلا فيما يطيق. و هذا يقتضي أن اتقاءه فيما وقع من القبيح ليس بأن لا يکون وقع و إنما هو بالندم عليه مع العزم علي ترك معاودته. و کل أمر يأمر الله به فلا بد من أن يکون مشروطاً بالاستطاعة، فان كانت الاستطاعة غير باقية علي مذهب من يقول بذلك، فالأمر بما يفعل في الثالث. و ما بعده مشروط بأن يفعل له استطاعة قبل الفعل بوقت و إلا لا يکون مأموراً بالفعل، و إن كانت ثابتة فالأمر علي صفة الاستطاعة، لأنه لا يصح الشرط بالموجود، لان الشرط يحدث، فليس يخلو من ان يکون علي شريطة وقوع القدرة او علي صفة وجود القدرة و قال قتادة قوله تعالي «فَاتَّقُوا اللّهَ مَا استَطَعتُم» ناسخ لقوله «اتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقاتِهِ» كأنه يذهب إلي أن فيه رخصة لحال التقية و ما جري مجراها مما يعظم فيه المشقة