قرأ رويس (انطلقوا إلي ظل) علي فتح اللام بلفظ الماضي. و قرأ اهل الكوفة إلا أبا بكر (جمالة) و ضم الجيم يعقوب، الباقون (جمالات) من قرأ (جمالة) علي لفظ الواحد قال معناه الجمع لقوله (صفر) و من قرأ (جمالات) بكسر الجيم قال: جمالة و جمالات جميعاً جمعان، كأنه جمع الجمع مثل: رجال و رجالات، و بيوت و بيوتات، و الهاء في قوله (كأنه) كناية عن الشرر.
و هذا حكاية ما يقول اللّه تعالي للكفار المكذبين بيوم الدين يوم القيامة فانه يقول لهم (انطَلِقُوا إِلي ما كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ) من العقاب علي الكفر و دخول النار جزاء علي المعاصي، فكنتم تجحدون ذلک و تكذبون به و لا تعترفون بصحته، فامضوا اليوم اليه. فالانطلاق الانتقال من مكان إلي مكان من غير مكث الاعتقال، و هو من الإطلاق خلاف التقييد، و الانتقال من حال إلي حال، و من اعتقاد إلي اعتقاد لا يسمي انطلاقاً. ثم ذكر الموضع ألذي أمرهم بالانطلاق اليه، فقال (انطَلِقُوا إِلي ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ) قيل: معناه يتشعب من النار ثلاث شعب: شعبة فوقه، و شعبة عن يمينه و شعبة عن شماله فيحيط بالكافر. و قال مجاهد و قتادة (ظل) دخان من جهنم ينقسم ثلاث شعب کما قال تعالي (أَحاطَ بِهِم سُرادِقُها)[1] أي من الدخان الآخذ بالانفاس (لا ظَلِيلٍ) معناه غير مانع من الأذي يستر عنه، فالظليل المانع من الأذي بستره عنه، و مثله الكنين، فالظليل من الظلة، و هي السترة، و الكنين من الكن، فظل هذا الدخان لا يغني الكفار من حر النار شيئاً. و بين ذلک بقوله «وَ لا يُغنِي مِنَ اللَّهَبِ» و الإغناء إيجاد الكفاية بما يکون وجود غيره و عدمه سواء يقال: أغني عنه أي كفي في الدفع عنه. و اللهب ارتفاع الشرر، و هو اضطرام النار، التهب يلتهب التهاباً و ألهبتها إلهاباً و لهباً.