و قهر هواه بعقله فقال: «ثُمَّ استَوي إِلَي السَّماءِ» في تفرده بملكها، و لم يجعلها كالأرض ملكا لخلقه و منه قول الشاعر:
فلما علونا و استوينا عليهم تركناهم صرعي لنسر و كاسر
و قال آخر:
ثم استوي بشر علي العراق من غير سيف و دم مهراق
و قال الحسن: ثم استوي أمره و صنعه الي السماء، لأن أوامره و قضاياه تنزل من السماء الي الإرض و قال بعضهم استوي بمعني استوت به السماء کما قال الشاعر:
أقول له لما استوي في تراثه علي أي دين قتّل النّاس مصعب[1]
و أحسن هذه الوجوه أن يحمل علي أنه علا عليها فقهرها، و ارتفع فدبرها بقدرته، و خلقهن سبع سماوات، فكان علوه عليها علو ملك و سلطان لا علو انتقال و زوال، و بعد ذلک قول من قال: قصد اليها فخلقها، و لا يقدح في الأول علوه تعالي علي الأشياء فيما لم يزل، لأنه و ان کان كذلك لم يكن قاهراً لها بحلقها، لأن ذلک متجدد، و انما قال: الي السماء و لا سماء هناك کما يقول القائل: اعمل هذا الثوب و انما معه غزل، و قال قوم: انما سواهن سبع سماوات بعد ان كانت دخانا و الاول أملح، و قال الرماني السموات غير الأفلاك لأن الأفلاك تتحرك و تدور و اما السماوات لا تتحرك و لا تدور لقوله تعالي: «إِنَّ اللّهَ يُمسِكُ السَّماواتِ وَ الأَرضَ أَن تَزُولا»[2] و هذا ليس بصحيح، لأنه لا يمتنع ان تكون السماوات هي الأفلاك و ان كانت متحركة، لأن قوله تعالي: «يُمسِكُ السَّماواتِ وَ الأَرضَ أَن تَزُولا» معناه لا تزول عن مراكزها الّتي تدور عليها. و لو لا إمساكه لهوت بما فيها من الاعمالات سفلا. و معني (سواهن) أي هيأهن و خلقهن و قومهن و دبرهن و التسوية: التقويم و الإصلاح. يقال سوي فلان لفلان هذا الأمر أي قومه و أصلحه. و قال الفراء: السماء واحدة تدل علي الجمع فلذلك قال: «ثُمَّ استَوي إِلَي السَّماءِ» فذكرها بلفظ الواحد. ثم اخبر عنها بلفظ الجمع في قوله: (فسواهن) و قال