نام کتاب : صراط الحق في المعارف الإسلامية و الأصول الإعتقادية نویسنده : المحسني، الشيخ محمد آصف جلد : 1 صفحه : 105
و لما انتشرت هذه الفرضية فرح
المادّيون بها، و حسبوا أنّها كافية لأن يعلل بها النظام المحكم الساري في أجزاء
العالم، و معها لا موجب للتشبّث بالصدفة و الاتّفاق الذي يرفضه اوائل العقول
الساذجة، و ينافره شرف العلم و الإنسانية، فقالوا: إن الطبيعة و إن كانت غير
شاعرة، ألا أن هذا النظام متولّد من انتخابها بعد التنازع في البقاء، بضميمة المطابقة
و الوراثة، فارتقاء الموجودات إلى هذه الدرجة من التكامل معلول هذه النواميس دون
المادة نفسها.
أقول:
البحث حول هذه الفرضية عن ناحيتين: الناحية الأولى في صحّتها في نفسها، و الناحية
الثانية في استنتاج ما تخيّله الماديون منها.
أمّا
الناحية الأولى و صحّتها في نفسها فلا دليل عليها غير بعض التخمينات و التخرّصات
التي لم يقرّ بها العلم و لا الفلسفة، بل البرهان على خلافها، بل الانصاف أنّها
مخالفة للحسّ و الوجدان و الأخلاق كما فصّلنا القول فيها في مجموعتنا المسماة ب
«كشكول محسنى»، و قد دلل على بطلانها غير واحد من باحثي الغرب حتى أخرجها بعضهم من
لامسائل العلمية، و جعلها آخر منافية للتمدّن الغربي و موجبة لتأخّره، و حسبها
الثالث من الأقاصيص التي تحكيها الأمهات لاولادها الصغار، بل نسبها بعضهم إلى
الجنون ... إلى غير ذلك من الكلمات الحادّة التي نقدوا بها هذه النظرية[1].
و
أما الناحية الثانية فنقول: إذ سلّمنا هذه الفرضية بتمامها و
حسبناها قطعية فلا يمكن استفادة مرام الماديين منها كما لا يمكن استفادة الحرارة
من الثلج!
نقول:
من الذي أوجد هذه الموجودات؟ من الذي خلق هذه الذرّات المركبة؟ من الذي أعطى
الطبيعة انتخابها؟ من الذي أودع التنازع في كيان الأشياء؟ و هكذا فلا بد إمّا من
الرجوع إلى الصدفة و الاتفاق، أو إلى الإيمان بخالق الإنس و الجان. و هذا الذي
ذكرنا لم يخف على داروين نفسه؛ و لذا لم يجعلها دليلا على إنكار الصانع، بل قيل:
إنّه كان عاملا و مقيدا بجميع ما جاء في مذهب الپرتستان أرتدوكس[2]
من دين المسيح عليه السّلام، بل صرح بأن عقائده لا تنافي المذاهب[3].
و
إليك ملخّص ما كتبه هو إلى بعض الألمانيين عام 1873: يستحيل على العقل الرشيد أن
تمرّ به خلجة من الشك في أن هذا العالم الفسيح بما فيه من الآيات البالغة و تلك
الأنفس الناطقة
[1] الجينات الورائية أثبتت اليوم خلقة الإنسان
الإبتدائية و ابطلت فحول الانسان من الحيوان، و تدلّ هي على صدق ا لقرآن على
اخباره إن الانسان خلق كذلك ابتداء.