إلهي! دَرَسَتِ[1] الآمالُ، وتَغَيَّرَتِ الأَحوالُ، وكَذَبَتِ الأَلسُنُ، واخلِفَتِ العِداةُ[2] إلّا عِدَتُكَ، فَإِنَّك وَعَدتَ مَغفِرَةً وفَضلًا، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وأَعطِني مِن فَضلِكَ، وأَعِذني مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ، سُبحانَكَ وبِحَمدِكَ، ما أعظَمَكَ وأَحلَمَكَ وأَكرَمَكَ! وَسِعَ بِفَضلِكَ حِلمُكَ تَمَرُّدَ المُستَكبِرينَ، وَاستَغرَقَت نِعمَتُكَ شُكرَ الشّاكِرينَ، وعَظُمَ حِلمُكَ عَن إحصاءِ المُحصينَ، وجَلَّ طَولُكَ[3] عَن وَصفِ الواصِفينَ، كَيفَ- لَولا فَضلُكَ- حَلُمتَ عَمَّن خَلَقتَهُ مِن نُطفَةٍ ولَم يَكُ شَيئاً، فَرَبَّيتَهُ بِطيبِ رِزقِكَ، وأَنشَأتَهُ في تَواتُرِ نِعمَتِكَ، ومَكَّنتَ لَهُ في مِهادِ أرضِكَ، ودَعَوتَهُ إلى طاعَتِكَ، فَاستَنجَدَ عَلى عِصيانِكَ بِإِحسانِكَ، وجَحَدَكَ وعَبَدَ غَيرَكَ في سُلطانِكَ.
كَيف- لَولا حِلمُكَ- أمهَلتَني وقَد شَمَلتَني بِسِترِكَ، وأَكرَمتَني بِمَعرِفَتِكَ، وأَطلَقتَ لِساني بِشُكرِكَ، وهَدَيتَنِي السَّبيلَ إلى طاعَتِكَ، وسَهَّلتَنِي المَسلَكَ إلى كَرامَتِكَ، وأَحضَرتَني سَبيلَ قُربَتِكَ، فَكانَ جَزاؤُكَ مِنّي أن كافَأتُكَ عَنِ الإِحسانِ بِالإِساءَةِ، حَريصاً عَلى ما أسخَطَكَ، مُتَنَقِّلًا فيما أستَحِقُّ بِهِ المَزيدَ مِن نَقِمَتِكَ، سَريعاً إلى ما أبعَدَ مِن رِضاكَ، مُغتَبِطاً بِغِرَّةِ[4] الأَمَلِ، مُعرِضاً عَن زَواجِرِ الأَجَلِ، لَم يَقنَعني[5] حِلمُكَ عَنّي، وقَد أتاني تَوَعُّدُكَ بِأَخذِ القُوَّةِ مِنّي، حَتّى دَعَوتُكَ عَلى عَظيمِ الخَطيئَةِ أستَزيدُكَ فِي نِعمَتِكَ، غَيرَ مُتَأَهِّبٍ لِما قَد أشرَفتُ عَلَيهِ مِن نَقِمَتِكَ، مُستَبطِئاً لِمَزيدِكَ، ومُتَسَخِّطاً لِمَيسورِ رِزقِكَ، مُقتَضِياً جَوائِزَكَ بِعَمَلِ الفُجّارِ، كَالمُراصِدِ رَحمَتَكَ بِعَمَلِ الأَبرارِ مُجتَهِداً، أتَمَنّى عَلَيكَ العَظائِمَ كَالمُدِلِّ الآمِنِ مِن قِصاصِ الجَرائِمِ، فَإِنّا للَّهِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ، مُصيبَةٌ عَظُمَ
[1]. دَرَس الشيء: عَفا( لسان العرب: ج 6 ص 79« درس»).
[2]. العِدَةُ: ما أعددتَهُ لحوادث الدهر من المال أو السلاح( مجمع البحرين: ج 2 ص 1173« عدد»).
[3]. الطَولُ: أي الفَضلُ والسِعَةُ( مجمع البحرين: ج 2 ص 1125« طول»).
[4]. في المصدر:« بعزّة»، وما في المتن أثبتناه من بحار الأنوار.
[5]. في بحار الأنوار:« ينفعني» بدل« يقنعني».