ولَمّا قَدِمَت وُفودُ بَني حَنيفَةَ عَلَى الصِّدّيقِ قالَ لَهُم: أسمِعونا شَيئاً مِن قُرآنِ مُسَيلِمَةَ، فَقالوا: أوَ تُعفينا يا خَليفَةَ رَسولِ اللَّهِ؟ فَقالَ: لا بُدَّ مِن ذلِكَ.
فَقالوا: كانَ يَقولُ: يا ضِفدَعُ بِنتُ الضِّفدَعَينِ، نُقّي لَكَم تَنُقّين[1]، لَاالماءَ تُكَدِّرينَ وَلا الشّارِبَ تَمنَعينَ، رَأسُكِ فِي الماءِ، وذَنَبُكَ فِي الطّينِ.
وكانَ يَقولُ: وَالمُبَذِّراتِ زَرعاً، وَالحاصِداتِ حَصداً، وَالذّارِياتِ قَمحاً، وَالطّاحِناتِ طَحناً، وَالخابِزاتِ خَبزاً، وَالثّارِداتِ ثَرداً، وَاللّاقِماتِ لَقماً، إهالَةً وسَمناً، لَقَد فُضِّلتُم عَلى أهلِ الوَبَرِ، وما سَبَقَكُم أهلُ المَدَرِ، رفيقَكُم فَامنَعوهُ، وَالمُعتَرَّ فَآووُه، وَالنّاعِيَ فَواسوهُ.
وذَكَروا أشياءَ مِن هذِهِ الخُرافاتِ الَّتي يَأنَفُ مِن قَولِهَا الصِّبيانُ وهُم يَلعَبونَ، فَيُقالُ: إنَّ الصِّدّيقَ قالَ لَهُم: وَيحَكُم! أينَ كانَ يَذهَبُ بِقَولِكُم؟[2] إنَّ هذَا الكَلامَ لَم يَخرُج مِن إلٍّ.
وكانَ يَقولُ: وَالفيلُ، وما أدراكَ مَا الفيلُ، لَهُ زَلّومٌ طَويلٌ. وكانَ يَقولُ: وَاللَّيلِ الدّامِسِ، وَالذِّئبِ الهامِسِ، ما قَطَعَت أسَدٌ مِن رطبٍ ولا يابِسٍ.
وتَقَدَّمَ قَولُهُ: لَقَد أنعَمَ اللَّهُ عَلَى الحُبلى، أخرَجَ مِنها نَسمَةً تَسعى، مِن بَينِ صِفاقٍ وحَشىً. وأشياءُ مِن هذَا الكَلامِ السَّخيفِ الرَّكيكِ البارِدِ السَّميجِ.
وقَد أورَدَ أبو بَكرِ بنُ الباقِلانِيِّ في كتابِهِ «إعجازُ القُرآنِ» أشياءَ مِن كَلامِ هؤُلاءِ
[1]. في المصدر:« نقين»، وهو تصحيف( انظر: تمهيد الأوائل للباقلاني: ص 182، إعجاز القرآن للباقلاني: ص 157، الفائق في غريب الحديث: ج 3 ص 324 وغيرها).
[2]. كذا، والظاهر أنّ الصواب:« بعقولكم».