العقاب بلا بيان» على ما تقدم سابقا- هو البيان الواصل إلى المكلف، فما لم يصل البيان و لم يكن له وجود علمي لا يكاد يتنجز التكليف و يستحق عليه العقوبة، و لا يكفى في ذلك مجرد احتمال سبق العلم و الوصول مع طروّ النسيان، فانّ المعتبر هو الحالة الفعلية و في الحالة الفعلية لا يكون البيان واصلا فيتحقق موضوع القاعدة.
و أمّا البراءة الشرعية: فلأنّه لا يعتبر في موضوعها إلّا عدم العلم، ففي كل زمان صدق هذا العنوان يندرج في قوله صلّى اللّه عليه و آله «رفع ما لا يعلمون» و مجرد احتمال حصول العلم، في آن ما لا يكفى. و لا يكون من الشك في حصول الغاية حتى يندرج في التمسك بالعامّ في الشبهات المصداقية، فانّ الغاية حصول العلم بالواقع، و احتمال حصول العلم عين الشك في الواقع، فلم تحصل الغاية، مع أنّه لو كان احتمال سبق العلم مانعا عن جريان البراءة لانسد باب البراءة في غالب الشبهات الموضوعية- كالدين و النذر و الكفّارة و الصوم- فانّه في جميع ذلك يحتمل سبق العلم بالأكثر المشكوك، مع أنّ الظاهر اختصاص فتوى المشهور بقضاء الصلوات الفائتة و لم يلتزموا بوجوب الاحتياط في قضاء الصوم عند تردده بين الأقل و الأكثر.
و الإنصاف: أنّه لا يمكن تطبيق فتوى المشهور على القاعدة [1] فالأقوى جريان البراءة عن الأكثر المشكوك في قضاء الصلوات الفائتة، و إن كان لا ينبغي ترك الاحتياط خروجا عن مخالفة المشهور.
و ليكن هذا آخر ما أردنا بيانه من المباحث الراجعة إلى أصالة البراءة.
و الحمد للّه أوّلا و آخرا.
و الصلاة و السلام على خير خلقه محمّد و آله الطاهرين.
______________________________ [1] أقول: قد عرفت أنّ الالتزام بوجوب الأخذ بالأكثر في بعض الصور إنّما هو على القواعد، و عليه أيضا يحمل فتوى المشهور على فرض صدق الشهرة، فراجع الحاشية السابقة.