الواقع و تنزيل شيء آخر منزلة الواقع، فانّ كل ذلك لم يكن، بل المجعول هو نفس الطريقية و الكاشفية و المحرزية [1] التي كان القطع واجدا لها بذاته و الظن يكون واجدا لها بالتعبد و الجعل الشرعي، فهذا هو المجعول في باب الطرق و الأمارات.
______________________________ [1] أقول: لا يخفى أن نتيجة الجعل و التشريع تارة إحداث حقيقة الشيء الّذي هو منشأ انتزاع مفهومه و كان بنحو يطبق العقل هذا العنوان على المجعول بنحو الحقيقة و الوجدان- نظير جعل المسجدية و الملكية و أمثالها، بناء على أن حقائقها أمور جعلية- و تارة ليس إحداث هذه الحقيقة بالوجدان، فلا محيص إلّا ان يكون تطبيق عنوان المجعول عليه بالعناية و الادّعاء، لا يتصور ثالث لهذين المعنيين، لدورانه بين النفي و الإثبات. و ليس الغرض من تطبيق العنوان وجدانا على الشيء كون العنوان ذاتيا له، بل الغرض كون هذه الحقيقة عارضا للشيء بالجعل أو غيره من سائر الأمور الاختيارية، كجعل الجسم أبيض أو أسود، ففي الأمور الاعتبارية كالمسجدية و الوقفية- جعلها التشريعي عين تكوينه بإنشاء قولي أو بفعل خارجي، قبال ذاتي الشيء الغير القابل للجعل و لو تكوينا، و لذا «ما جعل اللّه المشمشة مشمشة» بل أوجد الذات الواجد لهذه الحيثية بذاته. إذا عرفت هذه المقدمة نقول:
إنّ الغرض من تشريع الإحراز و البقاء احتمال الخلاف المساوق لتمامية الكشف: إن كان بنحو يحكم العقل بتطبيق هذه العناوين على المجعول بنحو الحقيقة و الوجدان، ففساده أوضح من أن يخفى على أحد، و إن كان الغرض أنّ نتيجة التشريع تطبيق العقل هذه العناوين على المجعول بالعناية و الادّعاء- كجعل الحياة و الممات لزيد- فهو في غاية المتانة و لا يتصور في البين ثالث، لما عرفت من دورانه بين النفي و الإثبات.
و إذا كان كذلك فلا شبهة في أنّ ادّعاء شيء لشيء يحتاج إلى النّظر إلى جهة أخرى مصحح لهذا الادّعاء، فربما يكون الغرض من ادّعاء العالمية احترام الناس له، ففي هذه الصورة لا يترتب عليه عمل لعلمه هذا، فلا محيص في ترتب هذا الأثر من كون النّظر في هذا الادّعاء إلى لزوم عمله عليه على وفق علمه الوجداني، فبالأخرة ينتهى إلى الأمر بالمعاملة، فتشترك الأمارة مع الأصول في ذلك و في قيامها مقام القطع في الجهة الثالثة.
نعم: الفارق بينهما هو أن الأمر بالمعاملة في الأصول مجعول بدوا، و في الأمارة مستكشف من جعل الإحراز بدوا بإنشائه أو إمضائه. و حينئذ فالغرض من قيام الظن مقام العلم إن كان هذا المقدار فلا بأس به، لكن معلوم أنّ هذا المقدار لا يكون ملزما للعمل لو لا استكشاف الأمر بالمعاملة منه- كما أشرنا إليه- فالذي يوجب قيام الظن مقام العلم الطريقي في هذه الجهة هو الأمر بالمعاملة لا تتميم الكشف محضا، كما هو الشأن لو قلنا بتنزيل المؤدى منزلة الواقع، إذ المقصود أيضا الأمر بالمعاملة مع ما أدّى إليه الظن معاملة الواقع، و مرجع هذا الأمر و العناية المزبورة أيضا إلى إبراز الإرادة الواقعية بهذا الإنشاء، كما هو الشأن في لسان تتميم الكشف، بل و مثل إيجاب الاحتياط الّذي لا عناية فيه أصلا، فمبرزية هذه الخطابات عن الواقع إنّما هو بهذا المعنى، لا بمعنى تتميم الكشف أو التعبد بالمؤدّى الّذي هو مفاد الخطاب.