و بالجملة: هذا التناقض المتوهم يجري بين قرائن المجازات و التّخصيصات و التقييدات، مع ذي القرائن و العمومات و المطلقات، و لا اختصاص له بباب الاستثناء، مع انّه لا وقع لهذا التوهم أصلا. فأخذ الإخراج قبل الإسناد الّذي يرجع في المآل إلى انّ كلمة (إلّا) صفتية و بمعنى الغير لا استثنائية، لا وجه له، بعد ظهورها في الاستثنائية في القضايا المتعارفة، لأنها لو كانت صفتية لاقتضى مجيء الاستثناء قبل الحكم، بان يقال: القوم إلّا زيد أي الموصوف بغير زيد جاءوا، كما ورد هكذا في الآية المباركة: لو كان فيهما آلهة إلّا اللّه لفسدتا.
و بالجملة: فالنّزاع في الحقيقة راجع في قوله: جاء القوم إلّا زيد- إلى انّ قوله (إلّا زيد) من قيود القوم؟ حتى تكون (إلّا) صفتيه، فيكون محصّل المعنى: انّ القوم الّذين هم غير زيد جاءوا، فلا يكون لهذه القضيّة مفهوم، لأنّ إثبات حكم لموضوع خاصّ لا يدل على انتفاء سنخه عن غير هذا الموضوع. أو من قيود الحكم؟ حتى تكون (إلّا) استثنائية و يكون للقضية مفهوم، لأنّ إثبات حكم القوم و إخراج زيد عن هذا الحكم الثابت لعشيرته مع انّه منهم موضوعا عين المفهوم، لأنّ المدّعى ليس إلّا دلالة القضيّة على عدم ثبوت الحكم المذكور للقوم نفيا و إثباتا لزيد و خروج حكمه عن حكمهم. و على هذا فلا إشكال انّه إذا قال: له على عشرة إلّا درهما فهو إقرار بالتّسعة، و لو قال: له على عشرة إلّا درهم بالرّفع فهو إقرار بالعشرة، لأنّ مقتضى القواعد العربية التي يجب حمل كلام المتكلّم عليها لا على الغلط ان يجعل الدّرهم بالرّفع صفة للعشرة، فكأنّه قال: العشرة التي هي غير الدّرهم عليّ، هذا في الإثبات. و امّا في النفي فحيث انّه يجوز الوجهان في الاستثناء الواقع بعده، فلو قال:
ما له عليّ عشرة إلّا درهم أو إلّا درهما، فيحمل على إقراره بالدّرهم، فما أفادوه في انّه على النّصب لم يكن إقرار بشيء لا وجه له.
و العجب ممّا يحكى عن[1] المسالك، فانّه مع اعترافه بأنّ كلمة إلّا
[1] راجع المسالك، المجلد الثاني، كتاب الإقرار، المقصد الرابع في صيغ الاستثناء، ما أفاده في شرح قول المحقق قدس سره في الشرائع« و لو قال: ما له عندي شيء إلّا درهم كان إقرارا بدرهم ...» ص 171