و ما أحسن ما حكي عن صاحب الرياض رحمه الله من أنّ القول به لا يخلو من رجحان إن خيف هرب المنكر و عدم التمكّن من استيفاء الحقّ بعد ثبوته من ماله؛ و لو لم يخف من ذلك، فالترجيح مع القول الأخير.[1] و بمثل هذا التفصيل صرّح الفاضل المقداد رحمه الله فقال- و لنعم ما قال-: «و يقوى أنّ التكفيل موكول إلى نظر الحاكم، فإنّ الحكم يختلف باختلاف الغرماء؛ فإنّ الغريم قد يكون ملطلطاً غير مأمون، فالمصلحة حينئذٍ تكفيله و إلّا لزم تضييع حقّ المسلم. و قد لا يكون كذلك، بل يكون ذا مروّة و حشمة و مكنة؛ فلا حاجة إلى تكفيله، لعدم ثبوت الحقّ و الأمن من ضياعه. و ربما كان المدّعي محتالًا يكون طلبه للتكفيل وسيلة إلى أخذ ما لا يستحقّه.»[2] و أمّا ما ذكره صاحب الجواهر رحمه الله[3] بأنّ جميع ذلك لا ينطبق على أصول الإماميّة بل، هو ممّا يشبه الاستحسان، فغير صحيح، لأنّه لو لم يكن كذلك، فلا يمكن أخذ الحقوق، و تعقيب المجرمين، و أخذهم و حبسهم، إلّا بعد ثبوت الحقّ أو الجرم عليه.
و عليه؛ فكلّ ما يدلّ على جواز إحضار المنكر، و السؤال منه، و جلبه إلى المحكمة و قد تثبت الدعوى عليه بعد تلك الإجراءات- كذلك يدلّ على تكفيله و حبسه.
نعم، كلّ ذلك قد يوجب الضرر للمدّعى عليه. و لكن نقول: لو لم تكن مثل هذه الوجوه المذكورة كافية لثبوت التكفيل و الحبس، فهي كذلك لا تكون كافية لشيء ممّا ذكره، فكيف يمكن القضاء و رفع الخصومة؟
و هذا واضح للمتأمّل، و هو ما يسمّى ب «تأمين المدّعى به» في الاصطلاح الحقوقي الفعلي في المحاكم.