أن تخيّل الحاكم أنّ عليه مائة جلدة حدّ الزاني و الحال أنّه كان شارب الخمر، و لكن كان الحدّاد عالماً بذلك، فلم يتعرّض الماتن رحمه الله لحكمه، و حكمه مثل ما مرّ في الصورة السابقة من التفصيل بين وجوب تمام الدية أو نصفها بحسب الموارد، غير أنّ الضمان هنا على الحدّاد لا الحاكم.
و ذكر العلّامة رحمه الله في التحرير أنّ على الحدّاد القصاص، لأنّه مباشر للإتلاف[1]، و لكن إطلاق كلامه محلّ إشكال، و لذا استشكل عليه في المسالك بقوله: «هكذا أطلق في التحرير، و ينبغي تقييده بقصده القتل أو كون ذلك ممّا يقتل غالباً، و إلّا لم يتّجه القصاص.»[2]
الصورة الثالثة: كون الحاكم و الحدّاد كليهما عالمين بذلك
، و حكمه كالشقّ السابق، لمباشرة الجلّاد للزيادة مع العلم بعدم جواز ذلك و كونه ظلماً، و كون المباشر أقوى.[3]
الصورة الرابعة: كونهما جاهلين بذلك
، مثل كون الحاكم غافلًا أنّ عليه حدّ الشارب مثلًا فزعم أنّه حدّ الزنا، و لم يعلم به الحدّاد أيضاً فضربه مائة جلدة، أو تخيّل الحاكم أنّ الفعل وقع في الأزمنة الشريفة أو الأمكنة المقدّسة فغلّظ في العقوبة ثمّ تبيّن أنّه لم يكن كذلك، فذهب الماتن و العلّامة رحمهما الله في القواعد و التحرير[4] إلى أنّ نصف ديته على بيت المال، لأنّه من خطأ الحكّام، و قد عرفت أنّ خطأهم على بيت المال.
و ما ذكراه من أصل ثبوت الدية على بيت المال كلام حقّ كما يظهر من كلام جملة من قدماء الأصحاب أيضاً؛ قال الشيخ رحمه الله في المبسوط: «فإن أمر الإمام الجلّاد أن يضرب ثمانين، فقال: اضرب و أنا أعدّ، فضربه و الإمام يعدّ، فغلط الإمام فزاد واحداً على ثمانين،
[1]- تحرير الأحكام، ج 5، صص 347 و 348، الرقم 6829.