إنّ الشريعة الإسلاميّة وضعت أساس أحكامها على التحفّظ على العقل السليم، و نهت عن الفعل المبطل للعقل أشدّ النهي.
و من أشدّ الأفعال المبطلة لحكومة العقل و مكانته هو شرب الخمر و سائر المسكرات.
و قد لاحظت الشريعة الخمر و أضرارها العظيمة التي تعود على شاربها بصفة خاصّة، و على الشعوب بصفة عامّة، فحرّمتها تحريماً قاطعاً، و بيّنت للناس من أوّل الأمر أنّ منافع الخمر- مهما يقال في منافعها- ضئيلة قليلة لا تتعادل مع أضرارها الجسيمة المضيعة للعقل و النفس و الصحّة و المال.
أمّا مضرّتها في الإدراك و سلبها العقل فممّا لا ينكره منكر، و ذلك أعظم ما فيه من الإثم و الفساد، و منها تنشأ جميع المفاسد الأخرى، و بهذه الملاحظة تعتبرها الشريعة أمّ الخبائث، و أكبر الكبائر، و مفتاح المعاصي، و رأس كلّ إثم.
و تصرّفها في أفكار الإنسان و جعلها غير منتظمة، و تغييرها مجرى الإدراك حين السكر و بعد الصحو، يستتبع مضرّات خلقيّة نفسانيّة، كتشويه الخلق، و تأدية الإنسان إلى الفحش و الإضرار و الجنايات و القتل و إفشاء السرّ و هتك الحرمات و إبطال جميع القوانين و النواميس الإنسانيّة التي بني عليها أساس سعادة الحياة، و خاصّة ناموس العفّة، فلا عاصم من سكران لا يدري ما يقول و لا يشعر بما يفعل، و قلّ ما تتّفق جناية من هذه الجنايات التي قد ملأت الدنيا و نغّصت عيشة الإنسان، إلّا و للخمر فيها مدخليّة مع الواسطة أو بلا واسطة.