على الكراهة و استحباب الاحتراز، و للوجوه الاعتباريّة المذكورة آنفاً.
نعم، لو لزم من إقامتها الحزازة و النقص و الهتك لتلك الأمكنة أو استلزم إخراج النجاسة كما في القتل و القطع و نحوهما، أو ترتّبت عليها مفسدة أخرى، لا تجوز الإقامة، و ذلك أمر واضح.
و أمّا المسألة عند العامّة فإنّه لا يجوز إقامة الحدود في المساجد عند فقهاءهم، منهم:
عكرمة، و الشعبي، و أبو حنيفة، و مالك، و الشافعي، و إسحاق، و شمس الدين السرخسي، و ابن قدامة الكبير. و خالفهم ابن أبي ليلى في ذلك و ذهب إلى جوازه.
و استدلّ فقهاءهم لذلك- مضافاً إلى ما نقلناه من الروايات عن طريقهم- بما نقلوه عن عليّ عليه السلام من أنّه أتي بسارق فقال: «يا قنبر! أخرجه من المسجد فاقطع يده»، و بأنّ المساجد لم تبن لهذا بل بنيت للصلاة و قراءة القرآن و ذكر اللَّه تعالى، و أيضاً لا نأمن أن يحدث من المحدود حدث و نجاسة فينجّسه و يلوّثه، و قد أمر اللَّه تعالى بتطهيره، فقال:
«أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ»[1]، و لأنّ تعظيم المساجد واجب، و لهذا نهينا عن سلّ السيوف في المساجد، فيجب الاحتياط في أمر المساجد.
و لأنّ المجلود قد يرفع صوته، و نهى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم عن رفع الصوت في المسجد بقوله صلى الله عليه و آله و سلم: «جنّبوا مساجدكم صبيانكم و مجانينكم و رفع أصواتكم» و حينئذٍ فيجب على القاضي أن يخرج من المسجد إذا أراد إقامة الحدّ بين يديه، كما فعله رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم في حديث الغامديّة.[2] و فصّل ابن حزم الأندلسي بين ما كان من إقامة الحدود فيه تقذير للمسجد بالدم- كالقتل و القطع- فهو حرام أن يقام بالمسجد، و بين ما كان من الحدود جلداً فقط،