ألا وقد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض[1] وأبعدتم من هو أحق بالبسط والقبض[2]، وخلوتم بالدعة[3]، ونجوتم بالضيق من السعة[4]، فمججتم ما وعيتم[5]، ودسعتم الذي تسوغتم[6]، ف- إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ[7].
ألا وقد قلت ما قلت هذا على معرفة مني بالجذلة التي خامرتكم[8] والغدرة التي استشعرتها قلوبكم، ولكنها فيضة النفس، ونفثة الغيظ، وخور القناة[9] وبثة الصدر، وتقدمة الحجة.
[1] يعني: ركنتم إلى لين العيش وسعته، بدلًا من متاعب الجهاد وإنكار المنكر.
[2] تريد عليها السلام إبعادهم أمير المؤمنين( صلوات الله عليه) عن الخلافة وإدارة أمور المسلمين.
[3] خلا بالشيء: انفرد به ولم يخلط به غيره. والدعة الراحة والسكون وخفض العيش.
[4] النجاء الخلاص والإسراع. وعليه يتعين كون المراد بالضيق ضيق المسؤولية الإلهية نتيجة التقصير في أداء الواجب، وبالسعة الثواب الإلهي نتيجة أداء الواجب. فيرجع إلى أنهم استبدلوا سخط الله تعالى برضاه. وفي بعض النسخ:« ونجوتم من الضيق بالسعة» فيكون المراد بالضيق ضيق الجهاد وكلفته، وبالسعة الراحة في ترك الجهاد.
[5] مج الماء من فمه رمى به. وتشبيهاً بذلك يقال:« هذا كلام تمجه الأسماع» أي: تنفر منه. ووعى الحديث قبله وتدبره وحفظه. وعلى ذلك يكون مرادها عليها السلام أنهم رفضوا ما قبلوه سابقاً من التعاليم الدينية القاضية بالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
[6] الدسع في المقام القيء. شبهت عليها السلام رفضهم لما قبلوه من تعاليم الدين بتركهم نصرها بمن قاء الشراب بعد أن تسوغه.
[8] خامرتكم يعني خالطتكم واستترت في نفوسكم. والجذلة من الجذل بالجيم والذال المعجمة من الفرح. ولا يتضح وجه إرادتها في المقام. ومن هنا كان الظاهر أن الصحيح ما في نسخة أخرى من قولها عليها السلام:« والخذلة التي خامرتكم» بالخاء والذال المعجمتين من الخذلان، حيث يتضح المعنى المراد حينئذ.
[9] الخور الضعف، والقناة الرمح. وهو كناية عن ضعفها عليها السلام عن كتمان غضبها وغيضها على غرار الفقرتين السابقتين والفقرة اللاحقة، حيث يؤكد بعضها بعضاً. أما الفقرة الخامسة، وهي تقدمة الحجة فهي تتضمن غرضاً آخر له أهميته في المقام.