المستوى الثاني فإنّ الإمام (عليه السلام) مسؤول عن بناء الجماعة الصالحة التي تتبنى مذهب أهل البيت (عليهم السلام) منهاجاً في الحياة، لكي يربي كوادر ونماذج رسالية تقوم بدورها في اصلاح الأخلاق وتغيير الإنحراف السائد في المجتمع، وهو في هذا المستوى يقوم باداء دور بصورة اكثف، ويبدي عناية اضافية ووقتاً إضافياً ليربي عدداً أكثر من المصلحين القادرين على انجاح مهمات الاصلاح والتغيير، لذا نجده (عليه السلام) يعمل ليل نهار، ويلتقي بالأفراد فرداً فرداً أو جماعة جماعة من أنصاره، ويراسل وكلاءه وأتباعه في الامصار ليقوم سلوكهم ويهذب أخلاقهم. وكان يرسم لأتباعه المنهج السلوكي القويم، وكان (عليه السلام) يشتري العبيد ثم يعتقهم بعد أن يعدهم إعداداً تربوياً في داره فقد اعتق ألف مملوك طول سني حياته، وهذا العدد الكبير له تأثير في سير الأخلاق، إذ يصبح هؤلاء بعد التربية والإعداد الخلقي تياراً من المخلصين الواعين يعمل في وسط الأمة، ويقوم بأداء دور الاصلاح مبتدءاً بنفسه وأسرته ثم المجتمع الكبير([471]).

إذ قاموا أهل البيت (عليهم السلام) بدور اصلاحي عظيم. وأهم ما في ذلك، انهم لم يقوموا بنشاطاتهم الدينية والدنيوية إلاّ لأجل دعوة الناس إلى الحق والتوحيد ونفي الشرك عن ذات المولى " سبحانه وتعالى ". وبما أنّهم هم تجليات الحق في الأرض، فقد هوت القلوب إليهم، وانقادت وراءهم، لأنّهم جسدوا أقوالهم في أفعال، وقلما نجد في تأريخ البشرية، وبخاصة في رجالها الخالدين، هذا الخلق الرفيع وترك التجافي عن الناس، ومداراتهم وقضاء حوائجهم و.... إلخ. وكل ما يكون عدا هذا فهو من عادات الرؤساء والأمراء والملوك الذين يحصلون كمالاتهم ويكملون نقصهم بالطرق الظالمة([472]).

[471] لجنة التأليف: أعلام الهداية " الإمام الرضا عليه السلام ", ص104.

[472] حجازي: علم الأخلاق والتربية, ص130- 131.