الملك فيصل الأول شعر بعد مرور عشر سنوات على تأسيس الدولة العراقية على «أن سلطته تعاني من عدم التوازن في التصرف المذهبي والقومي، فكتب مذكرة إلى الزعماء العراقيين يسألهم فيها، إذا كان صحيحاً ما يقال من أن على الشيعة والأكراد، التجنيد والضرائب دون حقوق أخرى وأنهم لمحرمون من حقوق العمل في المؤسسات الحكومية، وإن مناطقهم تعاني من تمييز مقصود في حصتها من المؤسسات التعليمية والصحية؟ وأضاف الملك.. إننا ورثنا حكومة على أنقاض الحكومة العثمانية فكيف نعمل؟ وما هي الحلول المقترحة؟ وكان قد أجاب معظم الذين استلموا مذكرة الملك فيصل، على انفراد، لكن شبه إجماعٍ كان يتمثل في إجابة ناجي شوكت التي أشار إليها في مذكراته قائلاً: إن على الحكومة أن تسعى بصورة محسوسة لتقليل نفوذ علماء الدين، بل لإبادته كلياً..»([1560]).

ولكن وبالرغم من تلك المحاولات من قبل الاستعمار وصنائعه، فإن مبدأ فصل الدين عن السياسة، الذي خدمته الظروف الموضوعية الضاغطة - آنذاك - قد أفرزته تلك التعهدات الخطية من العلماء - كما تحدثنا سابقاً - لم يستمر خارج تلك الظروف المحدودة، زماناً ومكاناً إلاّ لدى بعض النفوس الميّالة إلى الراحة وعدم تحمل المسؤولية الصعبة لقيادة المسيرة الإسلامية. ولذلك سيبرز في العراق كبار العلماء الإسلاميين الوطنيين لقيادة الساحة في الفترة اللاحقة وهم ينسفون ذلك المبدأ الاستعماري (فصل الدين عن السياسة) من الناحية الفكرية والعملية الميدانية - أيضاً-([1561]) إلا أنه لابد من الإشارة إلى أن تطور تلك المحاولات لإزالة الركام الاستعماري المؤثر عن صدر الأمة،

[1560] نقلاً عن العلوي، حسن: التأثيرات التركية في المشروع القومي العربي، مرجع سابق،ص161.

[1561] أنظر شبر، حسن: مرجع سابق، ج2، ص310-338. نشاطات ومواقف الشيخ محمد جواد البلاغي، والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، والشيخ محمد رضا المظفر، كنماذج من العلماء المجتهدين منذ 1352هـ، 1934م ومابعدها.