ومرضه باستيلاء الجبن عليه، وانزعاجه بسبب الأوهام الغالبة عليه، فإن
القلب قد ينزعج تبعاً للوهم وطاعة له من غير نقصان في اليقين، كانزعاجه أن يبيت مع
ميت في قبر أو فراش مع عدم نفرته عن سائر الجمادات، فالتوكل لا يتم إلا بقوة القلب
وقوة اليقين جميعاً، إذ بهما يحصل سكون القلب وطمأنينته فالسكون في القلب شيء
واليقين شيء آخر، فكم من يقين لا طمأنينة معه، كما قال تعالى لخليله: ((أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ
بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي))[1466].
وكم من
مطمئن لا يقين له كسائر أرباب الملل والمذاهب، فإن اليهودي مطمئن القلب إلى تهوده
وكذا النصراني ولا يقين لهما أصلاً، وإنما ((يَتَّبِعُونَ الظَّنَّ
وَما تَهْوَى الأَنفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُم مِن
رَبِّهِمُ الْهُدى))[1467]،
وهو سبب اليقين إلا أنهم معرضون.
واعلم أن
الناس تتفاوت درجاتهم في التوكل بحسب تفاوت مراتبهم في قوة اليقين وضعفه، وفي قصر
الأمل وطوله، وفي مدار الادخار بحسب الأمل وللمنفرد والمعيل: فمنهم من هو من
المقربين[1468]،
ومنهم من هو من أصحاب اليمين[1469]،
ومنهم من لا توكل له أصلاً، وذلك بحسب عدم الوثوق بالأسباب أصلاً
وقلته وكثرته.
ومن كمل إيمانه سقط وثوقه
بالأسباب بالكلية، فيرزقه الله من حيث لا يحتسب كسب أم لم يكتسب، إلا أنه لا يترك
الكسب بل يتبع أمر الله فيه، وليس وثوقه إلا بالله وحده دون كسبه[1470].