متعبون وفي العلماء إنهم بالحديث
عن الله لمحجوبون، ويدعي لنفسه من الكرامات ما لا يدعيه ملك مقرب، لا علماً أحكم
ولا عملاً هذَّب، يأتي إليه الجمع الرعاع الهمج من كل فج أكثر من إتيانهم مكة
للحج، يزدحم إليه الجمع ويلقون إليه السمع، وربما يخرون له سجوداً كأنهم اتخذوا
معبوداً، يقبلون يديه ويتهافتون على قدميه، يأذن لهم في الشهوات ويرخص لهم في
الشبهات، يأكل ويأكلون كما تأكل الأنعام ولا يبالون من حلال أصابوا أم من حرام،
وهو لحلوائهم هاضم ولدينه وأديانهم حاطم، ((لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ
وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ)) [786].[787]
فصل: في غرور أرباب الأموال
فمنهم: من يحرص على بناء المساجد والمدارس
والرباطات والقناطر وما يظهر للناس كافة ويكتبون أسماءهم بالآجر عليها ليتخلد
ذكرهم ويبقى بعد الموت أثرهم، ويظنون أنهم قد استحقوا المغفرة وهم مغرورون لوجهين:
أحدهما: إنهم اكتسبوها من الشبهات
إن خلصوا من الحرام.
والثاني: إن الرياء قد غلب عليهم،
إذ لو كلف أحدهم أن ينفق ديناراً ولا يكتب اسمه على الموضع أو لا يعرف لم تسمح
نفسه بذلك والله مطلع عليه كتب اسمه أو لم يكتب، فلولا أنه يريد وجه الناس لا وجه
الله لما افتقر إلى ذلك، وربما يكون في جوار أحدهم أو في بلده فقير وصرف المال
إليه أهم من الصرف إلى المساجد وزينتها.