قد أحسن الله إلينا بنعيم الدنيا،
وكل محسن محب، والمحب يحسن في المستقبل أيضاً، ولم يعلموا أن نعيم الدنيا ولذاتها
والاستدراج فيها يدل على الهوان، وأن هذه اللذات سموم قاتلات، وأن الله يحمي
المؤمن من الدنيا كما يحمي الطبيب المريض عن الطعام.
ولو كانت الدنيا لها قدر عند الله
لما سقى الكافر منها شربة ماء، وقال تعالى: ((أَ يَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ
مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (55)نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا
يَشْعُرُونَ))[742] وقال تعالى:((سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ
حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ))[743] وقال تعالى:((فَتَحْنا عَلَيْهِمْ
أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتّى إِذا فَرِحُوا
بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ))[744].
ومنشأ هذا
الغرور الجهل بالله وصفاته، فإن من عرفه لا يأمن مكره ولا يغير به بأمثال هذه
الخيالات، وينظر إلى فرعون وقارون وإلى ملوك الأرض كيف أحسن الله إليهم ثم دمرهم
تدميراً ((وَمَكَرُوا
وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ))[745]، ((وَلا يَأْمَنُ[746] مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ
الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ)) [747].[748]