وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: حبذا نوم
الأكياس وفطرهم كيف يغبنون سهر الحمقى واجتهادهم، ولمثقال ذرة من
صاحب تقوى ويقين أفضل من ملء الأرض من المغترين.
وكل ما ورد في فضل العلم وذم
الجهل فهو دليل ذم الغرور، لأن الغرور[732] نوع من الجهل، والذين غرتهم
الحياة الدنيا بعض الكفار والعصاة الذين آثروا الحياة الدنيا على الآخرة قائلين:
إن الدنيا نقد والآخرة نسيئة[733] والنقد خير من النسيئة، ولذات
الدنيا يقين والآخرة شك واليقين خير من الشك.
وهذا عين
الجهل، لأن الدنيا لو كانت ذهباً فانياً والآخرة خزفاً باقياً لكان الخزف الباقي
خيراً من الذهب الفاني، فكيف والدنيا خزف فانٍ والآخرة ذهب باقٍ، كما قال تعالى:((ما
عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ))[734]
وقال تعالى: ((وَللآْخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى))[735]
وقال تعالى: ((وَما الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ))[736].
وكون النقد خيراً من النسيئة مطلقاً
ممنوع، فإن النسيئة العظيمة الكثيرة خير من النقد القليل الحقير، وفعل هذا المغرور
حجة عليه، فإنه يعطي خمسة دراهم نقداً ليأخذ عشرة نسيئة، ويترك لذائذ الأطعمة
بتحذير الطبيب نقداً خوفاً من ألم المرض النسيئة، ويتحمل المشاق والأسفار وقطع
البحار نقداً لتوهم النفع نسيئة، وكذا التاجر في سعيه وتصديعه[737] على يقين وفي ربحه
على شك، وكذا المتفقه في
[732]
إحياء علوم الدين،الغزالي:3/335،كتاب ذم الغرور،بيان ذم الغرور وحقيقته وأمثلته.