يفهمها المصلي في أثناء الصلاة ولم
تكن قد خطرت بقلبه قبل ذلك. ومن هذا الوجه كانت الصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر[388]، فإنها تفهم أموراً
وتلك الأمور تنهى عن الفحشاء والمنكر لا محالة.
الثالث: التعظيم، وهو أمر وراء حضور القلب
والتفهم، إذ الرجل ربما يخاطب غيره بكلام هو حاضر القلب فيه ومتفهم لمعناه ولا
يكون معظماً له.
الرابع: الهيبة، وهي زائدة على التعظيم،
إذ هي عبارة عن خوف منشؤه التعظيم، لأن من لا يخاف لا يسمى هائباً. ثم كل خوف لا
يسمى مهابة، بل «الهيبة خوف مصدره الإجلال»[389].
الخامس: الرجاء، فالعبد ينبغي أن يكون
راجياً بصلاته ثواب الله، كما أنه خائف بتقصيره عقاب الله.
ثم الحياء، ومستنده استشعار تقصير وتوهم ذنب.
ثم ذكروا أسباب هذه المعاني الستة: فسبب حضور القلب الهمة، فإن قلبك
تابع لهمك، فلا يحضر إلا في ما يهمك، ومهما أهمك أمر حضر القلب شاء أم أبى، فهو
مجبول[390] عليه ومسخر فيه،
والقلب إذا لم يحضر في الصلاة لم يكن متعطلاً بل كان حاضراً في ما الهمة مصروفة
إليه من أمور الدنيا، فلا حيلة ولا علاج لإحضار القلب إلا بصرف الهمة إلى الصلاة،
والهمة لا تنصرف إليها ما لم يتبين أن الغرض المطلوب منوط بها، وذلك هو الإيمان
والتصديق بأن ((الآخِرَةُ
[388]
إشارة إلى قوله تعالى: ((إِنَّ الصّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاء وَالْمُنكَرِ))
سورة العنكبوت/45.