وكان وجود شيعة أمير المؤمنين عليه السلام في هذين المصرين المهمين وفي هذه المواقع الحساسة يعني التغير الإيجابي في وضع الشيعة الاقتصادي وتطور قدرتهم على العمل السياسي لذا كان عمر يحاول السيطرة على التحركات الفكرية والثقافية في هذه المناطق وحرمانها من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لإضعاف النشاط الشيعي فيها.

كان ذلك على الصعيد العسكري والسياسي، وأمّا على الصعيد الفكري والفقهي فإن المجتمع المسلم كان بحاجة كبيرة إلى تعلم أحكام الشريعة، وكان أمير المؤمنين عليه السلام بحراً لا ساحل له، وطبيعة الناس الميل للعالم للانتهال من علمه، إلاّ أنّ الخلاف الشديد بين أمير المؤمنين عليه السلام والسلطة كان يدعوهم إلى محاولة سد النقص بعيداً عن أمير المؤمنين عليه السلام وفي سبيل سد هذا النقص من جهة،ومن جهة أخرى وهي الأهم أنّ أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم تشيد كثيراً بأمير المؤمنين عليه السلام وتنص على أنّه الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لذا أصدر عمر أمراً بمنع رواية الحديث النبوي وتدوينه ولم يسمح إلاّ بتلاوة القرآن الكريم مع المنع من التدبر في آياته[20].

نشأ عن منـع رواية الحديث وتدوينه فراغ ثقافي كبير وكان عمر يحس بضرورة ملء هذا الفراغ بنحو لا يضر بسياسته الرامية إلى تجهيل الأمة بأهل البيت عليهم السلام فاستعان عمر بمسلمة أهل الكتاب الذين كلفهم برواية قصص العهدين، وأوكل تلك المهة إلى كعب الأحبار ووهب بن منبه الذين كانا يقومان بملء الفراغ الفكري والثقافي الذي أوجده قرار المنع.

[20] ـ معالم المدرستين ج 2ص 45، مكاتيب الرسول ج 1ص 618، 639، كنز العمال ج 10 ص292ح 29479، ص 293ح29480، أضواء على السنة المحمدية ص 54، تدوين القرآن ص 370، تاريخ مدينة دمشق ج 40ص 500.