المبحث الرابع: بسبب دفع أهل البيت عليهم السلام وإزالتهم عن مراتبهم

محق الدين وتحريف الأحكام

من يتابع التاريخ الإسلامي ويمعن النظر في مرحلة ما بعد وفاة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم يجد أنّ كارثة عظيمة ورزية جليلة قد حلت بالدين الإسلامي وأحكامه، وهذه الكارثة هي ما يمكن أن نسميها بكارثة محق الدين وتحريف معالم الإسلام وأحكامه.

فجميع المسلمين مجمعون على أن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لم يرحل عن هذه الدنيا إلا بعد أن أكمل مهمته في التبليغ وإكمال الدين، وهو ما نص عليه القرآن الكريم بقوله: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا))[592]، وعليه فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد أكمل دينه الذي ارتضاه للناس، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أدى جميع ذلك بكل إخلاص وحرص إلى أمته، فما الذي جرى لينقلب هذا الدين الكامل التام الذي لا يشوبه نقص ولا يعتريه اعوجاج وخلال بضع سنين ليتحول إلى دين مشوه لا روح له، ويصبح المجتمع الإسلامي وخلال مدّة قصيرة لا يتذكر ولا يعرف أوضح الأحكام الشرعية التي جاء بها النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، والتي مارسها هو وأصحابه ولسنين عديدة، كالصلاة والصيام وغيرها من الأحكام الواضحة التي كان من المفترض أن تكون بديهية لجميع أفراد الصحابة، فهذه ظاهرة جديرة بالبحث والتمحيص لمعرفة الأسباب التي أدت إلى هذا الانقلاب السريع والواسع لمبادئ وأسس الشريعة والنظام في المجتمع الإسلامي بعد رحيل النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وسنثبت فيما يأتي بما لا

[592] سورة المائدة الآية 3.