المعلوم أنّ النبيّ 0 أوجب مودّة قرباه لا لتعظيم الجانب القبلي والعشائري ، إذ الثابت عن رسالة السماء أنّها تخالف هذه النزعة الجاهلية الضيّقة ؛ حيث ذمّ الباري عمَّ النبيّ وزوجة عمّه في سورة نزلت في عمّ رسول
الله ، أبي لهب ، دون اعتبار لنسبه منه 0 : تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ
وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ
لَهَبٍ * وَ امْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ .
إذاً لا يكون
المعنيُّ بالقربى عشيرته وأقرباءَه بما هم أقرباؤه وعشيرته ، بل المعنيّ بذلك فئة خاصة منهم ،
لهم سمات وخصائص تجعلهم أمناء على دين الله وواسطة للفيض الإلهي ، وهؤلاء هم الصادقون والمطهرون الذين أذهب الله عنهم الرجس ، وقد نوّهنا بطرف من منزلتهم فيما مضى .
إذ لا يعقل أن يأمر
اللهُ ورسولُه المؤمنين بالتودّد إلى مَن ليس بأهل للمودّة ، وإلى من هو منحرف عن الجادة ـ والعياذ
بالله ـ بل إنّ أمره بالتودد إليهم يشير إلى أنّ لهؤلاء القربى خصائص
يتميّزون بها ليست للآخرين ، كالعلم والفضل والتقوى والصبر و وهذه المقوّمات هي التي جعلت من
هؤلاء قدوة ، وقد عرّفهم سبحانه في آية التطهير وحصرهم بمن تحت الكساء وهم بعد
النبيّ محمَّد
0 : عليّ وفاطمة والحسن والحسين .
من يعرف الدين
الإسلامي يعلم بأنّ الإسلام يهتم بالقيم والمثل لا العلائق والاتجاهات القبلية
والعشائر ية ، فقد جعل رسولُ الله سلمانَ الفارسي من أهل بيته لما امتلكه من
مؤهّلات وخصائص ذاتية ومعنوية مع عدم امتلاكه أي علائق مع النبيّ 0 من الوجهة القبلية والإقليمية .
قال أبو فراس في
هذا المعنى من النَّسب الإيماني :
كانت مودّةُ سلمان لَهُ رحماً ولم يكن بَينَ نوح وابنِهِ
رَحِمُ